قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِصَدَقَةٍ قَبَضَهَا الِابْنُ أَوْ كَانَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ فَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ (...) |
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ
بِصَدَقَةٍ قَبَضَهَا الِابْنُ أَوْ كَانَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ فَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نِحَلًا أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثِ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ وَيَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الدُّيُونُ أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فَتَنْكِحُ المراة الرجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنِ ابْنِهِ وَلَا مِنِ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ قُلْنَا إِنَّ الِاعْتِصَارَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُوَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا رُجُوعَ فِيهَا لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَكُلُّ مَا أُرِيدَ بِهِ - مِنَ الْهِبَاتِ - وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الصَّدَقَةِ فِي تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِيهَا وَأَمَّا الْهِبَاتُ إِذَا لَمْ يَقُلِ الْوَاهِبُ فِيهَا لِلَّهِ وَلَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ الصَّدَقَةَ الْمُخْرَجَةَ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ (الْمُوَطَّأِ) عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ تَرْكِ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ إِذَا نَكَحَتِ الِابْنَةُ أَوِ اسْتَدَانَ الِابْنُ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدَ ثُمَّ وَقَفَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوِ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ (لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ) لَقُلْتُ بِهِ وَلَمْ أَزِدْ وَاهِبًا غَيْرَهُ وَهَبَ لِمَنْ يَسْتَثِيبُ مِنْهُ أَوْ لِمَنْ لَا يَسْتَثِيبُ مِنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ وَصَلَ حَدِيثَ طَاوُسٍ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ وَهُوَ ثِقَةٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شعيب عن طاوس عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمِثْلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَهُ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَمِنْ أَحْسَنِ أَسَانِيدِهِ حَدِيثُ شعبة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ بن عباس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 وَأَمَّا قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحْلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدَ) فَلَيْسَ يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ كُلُّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْأَخِ والاخت وبن الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَكَذَلِكَ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْبَنِينَ وَإِنْ سَفُلُوا وَكُلُّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا أَوْ كَانَتِ امْرَأَةً مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ إِنْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ كَمَا لَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْ صَدَقَتِهِ فَإِنْ وَهَبَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ تَزِدْ فِي بَدَنِهَا أَوْ يَزِيدُ فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَمَا لَمْ يَمُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَمَا لَمْ تَخْرُجِ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَمَا لَمْ يُعَوِّضِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا يَقْبَلُهُ وَيَقْبِضُ مِنْهُ فَأَيُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ فَلَا رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ مَعَهُ كَمَا لَا يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَا فِيمَا وَهَبَ لِذِي رَحِمِ مُحَرَّمَةٍ مِنْهُ وَلَا فِيمَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَالشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْأَوْصَافُ الَّتِي وَصَفْنَا كَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَهُ فِيهَا أَوْ بِتَسْلِيمٍ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ فِي (مُخْتَصَرِهِ) وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطْفَانَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ) فَسَوَّى بَيْنَ الْهِبَةِ لِذِي الرَّحِمِ وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ فِيمَنْ وَهَبَ لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ ذِكْرُ الزَّوْجَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَا غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ كَمَا فَعَلَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَصْلُ عِنْدِي الَّذِي تَلْزَمُ الْحُجَّةُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الرَّجْعَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) إِلَّا أَنْ تَثْبُتَ سُنَّةٌ تَخُصُّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَوْ يَتَّفِقُ عَلَى مَعْنًى مِنْ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 |