مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ
إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا قَالَ قَدْ فَعَلْتُ
قَالَ زِدْ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْتَ لَمْ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ
إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا قَالَ قَدْ فَعَلْتُ
قَالَ زِدْ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا
وَقَدْ رُوِيَ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَهَا
وَرَأَى آخَرُونَ أَخْذَهَا وَتَعْرِيفَهَا وَكَرِهُوا تَرْكَهَا مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إِذَا كَانَ
أَمِينًا عَلَيْهَا
قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرُهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ أَخْذَهَا وتعريفها
والا يكون ذلك سَبَبًا لِضَيَاعِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ
(هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فَرُدَّ عَلَى أَخِيكَ ضَالَّتَهُ)
وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَسَأَلَهُ
عَنِ الشَّاةِ فَقَالَ (خُذْهَا إِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْإِسْنَادَ بِهَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِأَخْذِ الشَّاةِ وَيَقُولُ (خُذْهَا وَرُدَّ عَلَى
أَخِيكَ ضَالَّتَهُ)
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللُّقَطَةَ مِثْلُهَا لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ أَرَادَهُ
بِهَلَاكٍ أَوْ فساد
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246
وَفِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْرِيفِ الضَّالَّةِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْهَا وَلَمْ يَقِلْ لَهُ لِمَ
أَخَذْتَهَا وَأَمَرَهُ أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخْذِ الشَّاةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
كَمَا قَالَ فِي الْإِبِلِ دَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا لِأَنَّ
تَرْكَهَا عَوْنٌ عَلَى ضَيَاعِهَا
وَمِنَ الْحَقِّ أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُسْلِمِ مَالَهُ وَيَحُوطَهُ بِمَا أَمْكَنَهُ
وَمَنْ قَاسَ اللُّقَطَةَ عَلَى الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُؤْخَذُ لَمْ يُصِبِ الْقِيَاسَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ
فَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَقَالَ الضَّالَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا
فِي الْحَيَوَانِ وَاللُّقَطَةُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّمَا الضَّوَالُّ مَا ضَلَّ بِنَفْسِهِ وَكَانَ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ اللُّقَطَةَ
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الضَّالَّةِ
وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ الْجَارُودِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَرْقُ النَّارِ)
وَبِحَدِيثُ جَرِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ)
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اللُّقَطَةُ وَالضَّالَّةُ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ
وممن ذهب إلى هذا ابو جعفر الحطاوي وَأَنْكَرَ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ الضَّالَّةُ مَا ضَلَّ بِنَفْسِهِ
وَقَالَ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ قَوْلَهُ
لِلْمُسْلِمِينَ (إِنَّ أَمَّكُمْ ضَلَّتْ قِلَادَتَهَا) فَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى الْقِلَادَةِ
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَرْقُ النَّارِ) إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ
أَرَادُوهَا لِلرُّكُوبِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا
وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ
يُعَرِّفْهَا)
وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِي (التَّمْهِيدِ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ (هِيَ لَكَ
أَوْ لِأَخِيكَ او للذئب) وفي ضالة الابل مالك وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ خَوْفُ التَّلَفِ وَالذَّهَابِ لَا جِنْسُ الْوَاهِبِ
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ضَلَّ بِنَفْسِهِ وَمَا لَمْ يَضِلَّ بِنَفْسِهِ وَلَا بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ
مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَفْظُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَخَوْفُ ذَهَابِهِ عَنْهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِبِلَ لانها اذا تركها
واحدها وَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا سَالِمَةً عِنْدَ طَلَبِهِ لَهَا وَبَحْثِهِ عَنْهَا لِأَنَّ الذِّئْبَ
لَا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي الْأَغْلَبِ مِنْ أَمْرِهَا وَصَبْرُهَا عَنِ الْمَاءِ فَوْقَ صَبْرِ غَيْرِهَا مِنَ
الْحَيَوَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ الْمُلْتَقَطِ هَلْ يُعَرَّفُ حَوْلًا كَامِلًا أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ تَافِهًا يَسِيرًا تَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ
وَقَالَ فِي مِثْلِ الْمِخْلَاةِ وَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ وَضَعَهُ فِي
أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إِلَيْهِ لِيُعْرَفَ وَإِنْ كَانَ فِي مَدِينَةٍ انْتَفَعَ بِهِ وَعَرَّفَهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ
أَحَبَّ إِلَيَّ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ كَانَ عَلَيَّ حَقُّهُ
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وبن الْقَاسِمِ أَنَّ اللُّقَطَةَ تُعَرَّفُ سَنَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بين قليلها وكثيرها
وروى عيسى عن بن وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ مَا قَلَّ عَنْ ذَلِكَ عَرَّفَهُ أَيَّامًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ
تَصَدَّقَ به وان كَانَ غَنِيًّا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَرَّفُ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنْ مَالِهِ بَقَاءً حَوْلًا كَامِلًا وَلَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ عَلَى
شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِصَدَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا
فَإِذَا عَرَّفَهَا حَوْلًا أَكَلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِذَا جَاءَهُ صَاحِبُهُ كَانَ غَرِيمًا فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ
قَالَ وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لَا يَبْقَى فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَغْرَمَهُ لِرَبِّهِ
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وَمِمَّا وجد بخطه احب الي ان يبعه وَيُقِيمَ عَلَى تَعْرِيفِهِ حَوْلًا ثُمَّ يَأْكُلَهُ
قَالَ الْمُزَنِيُّ هَذَا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ لِلْمُلْتَقِطِ فَشَأْنَكَ بِهَا
إِلَّا بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَا كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا عَرَّفَهُ حَوْلًا كَامِلًا وَمَا كَانَ
دُونَ ذَلِكَ عَرَّفَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ كَقَوْلِهِمْ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا كَانَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهُ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي الَّذِي يَجِدُ الدِّرْهَمَ يُعَرِّفُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ
رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ أَنْ يُعَرِّفَ اللُّقَطَةَ سَنَةً كَامِلَةً لَهُ بَعْدَ تَمَامِ
السَّنَةِ أَنْ يَأْكُلَهَا إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَشَاءَ أَنْ يَضْمَنَهُ
كَانَ ذَلِكَ لَهُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ منهم عمر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ كُلِّهِمْ - قَالَ إِنْ تَصَدَّقَ بِهَا وَجَاءَ صَاحِبُهَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَجْرِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ
أَوِ الضَّمَانِ يَضْمَنُ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا إِنْ شَاءَ
وَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَأْكُلَهَا وَيَسْتَنْفِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَمْ لَا
فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا أَوْ يَحْبِسَهَا وَإِنْ أَكَلَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا ضِمِنَهَا
قَالَ بن وَهْبٍ قُلْتُ لِمَالِكٍ مَا قَوْلُ عُمَرَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا)
قَالَ شَأْنُهُ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ - إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ شَاءَ
اسْتَنْفَقَهَا
قَالَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْكُلُهَا الْغَنِيُّ أَلْبَتَّةَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنْ
يَكُونَ ذَا حَاجَةٍ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يَأْكُلُهَا الْفَقِيرُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا كَانَ مُخَيَّرًا عَلَى الْفَقِيرِ
الْأَكْلُ وَعَلَى الْغَنِيِّ التَّصَدُّقُ
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَأْكُلُهَا علي وبن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ
حَيٍّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ مَالًا كَثِيرًا جَعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ بَعْدَ الْحَوْلِ
وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ يُنَاطُ أَصْحَابُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِوَاجِدِهَا شَأْنَكَ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَلَا سَأَلَهُ
أَغَنِيٌّ أَنْتَ ام فقير
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249
وَفِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)
وَهَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ انْطِلَاقُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَكْلِ لَهَا
وَاسْتِنْفَاقِهَا أَوِ الصَّدَقَةِ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهَا إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُخَيَّرٌ بَعْدَ الْحَوْلِ في اكلها او
الصدقة بها عمر وبن عمر وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ
وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْعِ اللُّقَطَةِ إِلَى مَنْ جَاءَ بِالْعَلَامَةِ دُونَ بَيِّنَةٍ
فَقَالَ مَالِكٌ يَسْتَحِقُّ بالعلامة
قال بن الْقَاسِمِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إِلَيْهِ فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّهَا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنِ
الْمُلْتَقِطُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ اللُّصُوصُ إِذَا وُجِدَ مَعَهُمْ أَمْتِعَةٌ فَجَاءَ قَوْمٌ فَادَّعَوْهَا وَلَيْسَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ
أَنَّ السُّلْطَانَ يَتَلَوَّمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْآبِقُ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فِي اللُّقَطَةِ أَنَّهَا تُدْفَعُ لِمَنْ جَاءَ بِالْعَلَامَةِ
وَحَجَّةُ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعِدَّتَهَا فَإِنْ
جَاءَ صَاحِبُهَا يُعَرِّفُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ)
وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُوجِبُ طَرْحَ مَا خَالَفَهُ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَبُو عُبَيْدٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يُجْبَرُ الْمُلْتَقِطُ لَهَا أَنْ
يَدْفَعَهَا إِلَى مَنْ جَاءَ بِالْعَلَامَةِ وَيَسَعُهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ دُونَ قَضَاءٍ
وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِذَا عَرَّفَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعِدَّةَ
وَالْوَزْنَ وَحَلَّاهَا بِحِلْيَتِهَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ صَادِقٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا
وَلَا أُجْبِرُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنْ يَسْمَعَ الْمُلْتَقِطَ يَصِفُهَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250
قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَهَا - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ - لِأَنْ يُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَهَا وَلِيَعْلَمَ إِذَا وَضَعَهَا فِي مَالِهِ أَنَّهَا لُقَطَةٌ
وَقَدْ يَكُونُ اسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِ الْمُعَرَّفِ أَرَأَيْتَ لَوْ وَصَفَهَا عَشَرَةٌ أَيُعْطَوْنَهَا كُلُّهُمْ
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إِلَّا وَاحِدٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَسَمَّى طَالِبُهَا وَزْنَهَا وَعَدَدَهَا
وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَأَخَذَهُ بِهَا كَفِيلًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّا قَالَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لِلْمُلْتَقِطِ (اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنَّ عَرَفَهَا صَاحِبَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ)
هَكَذَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ الْتَقَطَهَا وَأَنَّهَا عِنْدَهُ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ
هَلَكَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ لَمْ يَشْهَدْ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ
مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْهَدْ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَخَذَهَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيُعَرِّفَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إِنْ هَلَكَتْ
وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ضَمِنَهَا
وَحُجَّتُهُمَا حَدِيثُ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلْيُعَرِّفْ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا
يُغَيِّبْ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)
رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عَنْ
أَخِيهِ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ
الْمَغْصُوبَاتِ لَوْ أَشْهَدَ الْغَاصِبُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ غَصَبَهَا لَمْ يُدْخِلْهَا إِشْهَادُهُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ
الْأَمَانَاتِ فَكَذَلِكَ تَرْكُ الْإِشْهَادِ عَلَى الْأَمَانَاتِ لَا يُدْخِلُهَا فِي حُكْمِ الْمَضْمُونَاتِ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ (إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَلْتَكُنْ
وَدِيعَةً عِنْدَكَ) فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا تُضْمَنُ بِهِ الْأَمَانَاتُ مِنَ التَّعَدِّي
وَالتَّضْيِيعِ وَالِاسْتِهْلَاكِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251
وَمَعْنَى حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مُلْتَقِطَ اللُّقَطَةِ إِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا
وَلَمْ يَسْلُكْ بِهَا سُنَّتَهَا مِنَ الْإِشَادَةِ وَالْإِعْلَانِ بِهَا وَغَيَّبَ وَكَتَمَ ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ
وَجَدَ لُقَطَةً وَأَنَّهُ أَخَذَهَا وَضَمَّهَا إِلَى بَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ
بِفِعْلِهِ ذَلِكَ فِيهَا خَارِجٌ عَنِ الْأَمَانَةِ فَيَضْمَنُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِتَلَفِهَا
وَأَمَّا إِذَا عَرَّفَهَا وَأَعْلَنَ أَمْرَهَا وَسَلَكَ فِيهَا سُنَّتَهَا مِنَ الْإِشَادَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ
الْجَوَامِعِ وَشِبْهِهَا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
فَهَذَا مَا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي اللُّقَطَةِ
وَأَمَّا حُكْمُ الضَّوَالِّ مِنَ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ
فَقَالَ مَالِكٌ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ مَا قَرُبَ مِنَ الْقُرَى فَلَا يَأْكُلُهَا وَضَمِنَهَا إِلَى أَقْرَبِ الْقُرَى
لِتُعَرَّفَ فِيهَا
قَالَ وَلَا يَأْكُلُهَا وَاجِدُهَا وَلَا مَنْ تُرِكَتْ عِنْدَهُ حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سنة كاملة او اكثر
كذا قال بن وَهْبٍ عَنْهُ
قَالَ وَإِنْ كَانَ لِلشَّاةِ صُوفٌ أَوْ لَبَنٌ وَوَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ بَاعَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ
لِصَاحِبِ الشَّاةِ إِنْ جَاءَ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصِيبَ مِنْ نَسْلِهَا وَلَبَنِهَا بِنَحْوِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا
قَالَ وَإِنْ كَانَ تَيْسًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَهُ يَنْزُو عَلَى غَنَمِهِ مَا لَمْ يُفْسِدْهُ ذَلِكَ
هَذَا كُلُّهُ إِذَا وُجِدَ بِقُرْبِ الْقُرَى مِنَ الْغَنَمِ
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْفَلَوَاتِ وَالْمَهَامِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَيَأْكُلُهَا وَلَا يُعَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ
صَاحِبُهَا فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ
لِلذِّئْبِ)
قَالَ وَالْبَقَرُ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا السِّبَاعَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الشَّاةِ إِنْ أَكَلَهَا وَاجِدُهَا ضِمِنَهَا لِصَاحِبِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْخُذُ الشَّاةَ بِالْفَلَاةِ وَيُعَرِّفُهَا فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا أَكَلَهَا ثُمَّ ضَمِنَهَا إِنْ
جَاءَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَلَى
أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لِلشَّاةِ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَكَلَ مِنْ لَبَنِهَا وَثَمَنِ صُوفِهَا وَقِيمَةِ نَزَوَاتِهِ عَلَى
ضَأْنِهِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِقِيَامِهِ عَلَيْهَا لَا يَسْتَحِقُّ عليه شيء
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهَا إِلَى السُّلْطَانِ فَيَعْرِضَ ذَلِكَ لَهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يُوَافِقْ مَالِكٌ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الشَّاةِ إِنْ
أَكَلَهَا وَاجِدُهَا لَمْ يَضْمَنْهَا وَاجِدُهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ
وَاحْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ) لَا مَعْنَى لَهُ
لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهِيَ لَكَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ (أَوْ لِلذِّئْبِ) لَمْ يُرِدْ بِهِ
التَّمْلِيكَ لِأَنَّ الذِّئْبَ لَا يُمَلَّكُ وَإِنَّمَا يَأْكُلُهَا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَيَنْزِلُ عَلَى أَجْرِ مُصِيبَتِهَا
فَكَذَلِكَ الْوَاجِدُ إِنْ أَكَلَهَا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَإِنْ جَاءَ ضَمِنَهَا لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ فِي الشَّاةِ (هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فَرُدَّ عَلَى أَخِيكَ ضَالَّتَهُ) دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الشَّاةَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَإِنْ أَكَلَهَا أَحَدٌ ضَمِنَهَا
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَالشَّاةُ الْمُلْتَقَطَةُ أَوْلَى
بِذَلِكَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ صَاحِبَهَا إِنْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ لَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ
لَوْ ذَبَحَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ مَذْبُوحَةً وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْهَا
وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى هَذَا أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا لَهَا بِالْفَلَوَاتِ وَغَيْرِهَا
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ (هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ)
وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي اللُّقَطَةِ لِوَاجِدِهَا (إِذَا عَرَّفْتَهَا سَنَةً وَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَشَأْنَكَ بِهَا) بَلْ
هَذَا أَشْبَهُ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ فِي لَفْظِ التَّمْلِيكَ دَيْنًا وَلَا غَيْرَهُ
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي اللُّقَطَةِ أَنَّ وَاجِدَهَا يَغْرَمُهَا إِذَا اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ إِنْ
جَاءَ صَاحِبُهَا طَالِبًا لَهَا فَالشَّاةُ أَوْلَى بِذَلِكَ قِيَاسًا وَنَظَرًا
وَقَدْ شَبَّهَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّاةَ الْمَوْجُودَةَ بِالْفَلَاةِ بِالرِّكَازِ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ
شَدِيدَةٌ لِأَنَّ الرِّكَازَ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ قَبْلَ وَاجِدِهِ
وَالشَّاةُ مِلْكُ رَبِّهَا لَهَا صَحِيحٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا إِلَّا بِإِجْمَاعٍ مِثْلِهِ أَوْ
سُنَّةٍ لَا إِشْكَالَ فِيهَا وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ فِيهَا
وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ إِنْ أَكَلَ الشَّاةَ وَاجِدُهَا بِالْفَلَاةِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ
صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا لَهُ
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وبالله التوفيق
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253