مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ
مَكْتُوبَةٌ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ وَقَالَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ
مَكْتُوبَةٌ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ وَقَالَ بعضهم فيه
عن نافع عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَالٌ
يُوصَى فِيهِ تَأْتِي عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ)
وَقَالَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ يَبِيتُ ثَلَاثًا إِلَّا وَوَصِيَّتَهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالتَّأْكِيدُ فِي ذَلِكَ
وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ
يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ أَمَانَةٌ فَيُوصِي بِذَلِكَ
وَشَذَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَأَوْجَبُوا الْوَصِيَّةَ فَرْضًا إِذَا تَرَكَ الرَّجُلَ مَالًا كَثِيرًا وَلَمْ يُوَقِّتُوا فِي
وُجُوبِهَا شَيْئًا وَالْفَرَائِضُ لَا تَكُونُ إِلَّا مُؤَقَّتَةً مَعْلُومَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ في اية
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260
الْوَصِيَّةِ (بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) الْبَقَرَةِ 180 وَالْمَعْرُوفُ التَّطَوُّعُ بِالْإِحْسَانِ قَالُوا
وَالْوَاجِبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُتَّقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ
وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُوصِ وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ لَهُ لِأَنَّ
مَا تَخَلَّفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ تُصُدِّقَ بِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا
- قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّا لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ)
فَأَيُّ وَصِيَّةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ أَنْ تَكُونَ تَرِكَتُهُ كُلُّهَا صَدَقَةً لَا مِيرَاثَ فِيهَا وَإِنَّمَا نَدَبَ إِلَى
الْوَصِيَّةِ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا يُورَثُ عَنْهُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)
الْبَقَرَةِ 180
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْخَيْرَ الْمَالُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا)
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِنْسَانِ (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) الْعَادِيَاتِ 8 الْخَيْرُ عِنْدَهُمْ هُنَا
الْمَالُ
كَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) ص
32
وكذلك قَوْلُهُ حَاكِيًا عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ) هُودٍ 84 قَالُوا الْغِنَى
وَقَدْ جَاءَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ذِكْرُ الْخَيْرِ بِمَعْنَى الْمَالِ وَالْغِنَى وَمَنْ لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا
وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا فَلَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا وَلَا مَالًا يُوصَى فِيهِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ
شَقِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بعيرا ولا اوصى بشيء)
وقال بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ أَبِي
أَوْفَى أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ فَكَيْفَ أَمَرَ
النَّاسَ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجل
وقد ذكرنا فِي (التَّمْهِيدِ)
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مِقْدَارِ الْمَالِ الَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَوْ تَجِبُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَيْسَتْ
بِمَالٍ فِيهِ وَصِيَّةٌ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَالٌ فِيهِ وَصِيَّةٌ وَهَذَا يُحْتَمَلُ لِمَنْ شَاءَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَالًا يَسِيرًا فَلْيَدَعْهُ لِوَرَثَتِهِ
فَهُوَ أَفْضَلُ
وَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَأَنْ تَدَعَ
وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يتكففون الناس)
وقال بن عَبَّاسٍ لَا وَصِيَّةَ فِي ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262
وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا أَرْبَعٌ مِنَ الْوَلَدِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا وَصِيَّةَ فِي
مَالِهَا
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ الْخَيْرُ - يَعْنِي فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ - أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَنْ تَرَكَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا فَلَا يُوصِ وَقَالَ قَتَادَةُ
فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) الْبَقَرَةِ 180 وَقَالَ الْخَيْرُ أَلْفٌ فَمَا فَوْقَهَا
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ لِمَنْ
أَوْصَى فِي كُلِّ مَالٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزِ الثُّلُثَ
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ آيَةَ الْوَصِيَّةِ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمَوَارِيثِ
قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ
النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) كَانَتِ
الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمَوَارِيثِ
وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ في روايته عن بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلَةً
فَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ فِي الْبَيَانِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إِذْ كَانَ لَا يَرِثُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ غَيْرُهُمْ إِلَّا
وَصِيَّةً إِنْ كَانَ لِلْأَقْرَبِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له ولد ورثه أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) النِّسَاءِ 11
قَالَ فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِيرَاثَ الْأَبَوَيْنِ وَأَمَرَ بِوَصِيَّةِ الْأَقْرَبِينَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ (وَالْأَقْرَبُونَ الَّذِينَ تَجُوزُ لَهُمُ الْوَصِيَّةُ لَيْسُوا بِوَارِثِينَ) وَهَذَا
إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَأَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْ آيَةِ الْوَصِيَّةِ
الْوَالِدَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا كَانَا عَلَى دِينِ وَلَدِهِمَا لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ - وَارِثَانِ لا يحجبان
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263
وَكَذَلِكَ كُلُّ وَارِثٍ مِنَ الْأَقْرَبِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)
وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ تَجِبُ لَهُ الْوَصِيَّةُ لَانْتَقَضَتْ قِسْمَةُ اللَّهِ لَهُمْ فِيمَا وَرَّثَهُمْ وَصَارَ لَهُمْ
أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهُمْ
فَمِنْ هُنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ نَسَخَتِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ
بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ لَا يُجِيزُ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ وَقَدْ قَالَ لَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْمَالِكِيِّينَ وَدَاوُدَ وَسَمُّوا السُّنَّةَ بَيَانًا لَا نَسْخًا
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ الَّذِينَ يُجِيزُونَ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ وَقَالُوا كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا
نَسَخَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مِنَ الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَصِيَّةَ
لِوَارِثٍ)
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ
حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الملك قال حدثني بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهُمْ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَقَالَ (إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَسَّمَ لِكُلِّ
وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ فَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَعَلَى الْعَمَلِ بِذَلِكَ قَطْعًا
مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَلَقِّيًا مِنْهُمْ لَهُ بِالْقَبُولِ فَسَقَطَ الْكَلَامُ فِي إِسْنَادِهِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقْرَبِينَ غَيْرِ الْوَارِثِينَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لَهُمْ أَمْ لَا
فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَهُمْ لِأَنَّ أَصْلَهَا النَّدْبُ كَمَا وَصَفْنَا
وَقَالُوا الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ أَفْضَلُ
وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ غَيْرِ الْوَارِثِينَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ وَإِنَّمَا
انْتُسِخَ الْوَارِثُونَ وَالْآيَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْإِيجَابِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ وَتَرَكَ قَرَابَتَهُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ
فَقَالَ طَاوُسٌ تُرَدُّ وَصِيَّتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلَهُ بِمَعْصِيَةٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ - أَبُو الشَّعْثَاءِ - مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ بِثُلُثِهِ
رُدَّ إِلَى قَرَابَتِهِ مِنْ ذَلِكَ ثُلُثَا الثُّلُثِ وَيَمْضِي لِمَنْ أَوْصَى لَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ
وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَنْ
أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ وَتَرَكَ قَرَابَتَهُ مُحْتَاجِينَ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَفِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ مَاضٍ جَائِزٌ
لِكُلِّ مَنْ أَوْصَى لَهُ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ
وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عن عمر وعائشة
وهو قول بن عمر وبن عَبَّاسٍ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَوْصَتْ لِمَوْلَاتِهَا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ بِثُلُثِهِ فَقَالَ يَمْضِي
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُلْقَى ثلثه في البحر
قال بن سِيرِينَ أَمَّا فِي الْبَحْرِ فَلَا وَلَكِنْ يَمْضِي كَمَا قَالَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ ثُلُثُهُ يَطْرَحُهُ فِي الْبَحْرِ إِنْ شاء
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ
عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ (1)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْإِسْنَادَ فِي هَذَا وَعَنْ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي (التَّمْهِيدِ)
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ لَمْ يُجِزِ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ بِحَدِيثِ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ فِي مَرَضِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا مَالَ لَهُ
غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً
فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فِي ثُلُثِهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ كُلَّهَا وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِهِ فَقَدْ أَجَازَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِهِمْ وَهُمْ - لَا مَحَالَةَ - مِنْ غَيْرِ قَرَابَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ وَأَمَّا مَنْ اوصى لوارث فلا تجوز
وصيته باجماع وان اوصى لِغَيْرِ وَارِثٍ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الْوَارِثَ فَقَدْ حَافَ وَجَارَ وَأَتَى
الْجَنَفَ وَالْجَنَفُ فِي اللُّغَةِ الْمَيْلُ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِثْمُ وَالْمَيْلُ عَنِ الحق
روى الثوري ومعمر عن بن طَاوُسَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْجَنَفُ أَنْ يُوصِيَ لِابْنِ ابْنَتِهِ وَهُوَ
يُرِيدُ ابْنَتَهُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي
عَبَدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحُدَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ الْحُدَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ
بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ سنة ثم يحضرهما الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ
لَهُمَا النَّارُ) وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) النِّسَاءِ
12
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى
قَالَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266
ثُمَّ قَرَأَ (غَيْرَ مُضَارٍّ) النِّسَاءِ 12 إِلَى قَوْلِهِ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) النِّسَاءِ 13 وَإِلَى قَوْلِهِ
(وَمَنْ يعص الله ورسوله ويتعد حدوده) النِّسَاءِ 14
وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ
الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ جَازَتْ وَإِنْ ردوها فهي مردودة
ولهم في اجازتها إِذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ إِجَازَتَهُمْ لَهَا تَنْفِيذٌ مِنْهُمْ لِمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ
وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَصِيَّةً أَبَدًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قِبَلِ الْوَرَثَةِ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ
عَلَى حُكْمِ الْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ عِنْدَهُمْ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ جَائِزَةٌ إِذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ
قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ النَّاقِدُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ حدثني حجاج عن بن جريج عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ)
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ مسندا وانما هو من قول بن عباس كذلك رواية الثقات
له عن بن جُرَيْجٍ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ أَجَازَهَا
الْوَرَثَةُ أَوْ لَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وَلَمْ يَقُلْ
إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ وحسبهم ان يعطوه من اموالهم ما شاؤوا
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ إِنَّمَا مُنِعَ الْوَارِثُ مِنَ الْوَصِيَّةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ مَالَ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ أَجَازَ تَجْوِيزَ الْوَرَثَةِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ
أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الموصي اذا اوصى في صحته او مرضه
بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَةُ رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا بدا له
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267
وَيَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَحَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبَدِّلَهَا فَعَلَ
إِلَّا أَنْ يُدَبِّرَ مَمْلُوكًا فَإِنْ دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِ مَا دَبَّرَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا
وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ)
قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَلَا مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْعَتَاقَةِ
كَانَ كُلُّ مُوصٍ قَدْ حَبَسَ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ مِنَ الْعَتَاقَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ يُوصِي
الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ
قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ غَيْرَ التَّدْبِيرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي أَنَّ لِلْمُوصِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ غَيْرَ
التَّدْبِيرِ
هُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعَ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إِلَّا التَّدْبِيرَ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الرُّجُوعِ
فِي الْمُدَبَّرِ وَفِي بَيْعِهِ فَكُلُّ مَنْ رَأَى بَيْعَهُ رَأَى الرُّجُوعَ فِيهِ لِمَنْ شَاءَ
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَلَا الرُّجُوعُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَالثَّوْرِيِّ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ
وَقَدْ أَجَازَ اللَّيْثُ بَيْعَهُ لِلْعِتْقِ مِنْ نَفْسِهِ ومن غيره
وقال بن سِيرِينَ لَا يُبَاعُ إِلَّا مِنْ نَفْسِهِ
وَهُوَ قول مالك
وكره بيع المدبر بن عمر وبن الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ