مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا (...) |
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ
جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا) فَقُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ (لَا) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثلث وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ (1) وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ) قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) قَالَ ابو عمر هكذا قال جماعة اصحاب بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوداع كما قال مالك الا بن عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ فَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صحة اسناده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِهِ مِنَ الْعَطَايَا الْمُقْبِلَةِ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُعْتِقُ وَيَهَبُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ كُلَّهَا فِي ثُلُثِهِ كَالْوَصَايَا وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ صِحَّتِهِ لَمْ يَقُلْ فيه بن شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَفَأُوصِي وَإِنَّمَا قَالَ أَفَأَتَصَدَّقُ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَّا الثلث كالوصية المجتمع عليها وبن شِهَابٍ حَافِظٌ غَيْرُ مُدَافَعٍ فِي حِفْظِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي (التَّمْهِيدِ) وَقَدْ قَالَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَفَأُوصِي وَكَذَلِكَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأُوصِي وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حديث بن شِهَابٍ سَوَاءً وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَقَدْ قَالَ بِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ إِذَا قُبِضَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَدَاوُدُ وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَقَالُوا هِبَةُ الْمَرِيضِ قُبِضَتْ أَوْ لَمْ تُقْبَضْ إِذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ كَالْوَصَايَا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَأَمْضَى لَهُ مِنْ مَالِهِ ثُلُثَهُ وَرَدَّ سَائِرَ مَالِهِ مِيرَاثًا وَهَذَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَأَجْمَعُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ عَنْ بَنِينَ أَوْ عَنْ كَلَالَةٍ تَرِثُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَاخْتَلَفُوا إِذَا لم يترك بنين ولا عصبة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 فقال بن مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ راهويه وقد ذكرنا الاثار عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ فِي (التَّمْهِيدِ) وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَشَرِيكٌ الْقَاضِي إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَنِ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ وَمَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْحَدِيثِ وَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ كَانَ لَهُ بَنُونَ أَوْ وُرِثَ كَلَالَةً أَوْ وَرِثَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا يُصْرَفُ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اسْتَحَقَّهُ الرَّجُلُ وَابْنُهُ وَلَا مَنْ يُحْجَبُ مَعَ مَنْ يَحْجُبُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ مَصْرُوفٌ إِلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَرَاهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَالِحِهِمْ وَأَجْمَعَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ فَلَمْ يُجِيزُوا الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَقَالُوا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِلْمُوصِي ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يُعْطُوا الْمُوصَى لَهُ مِنْ فَرَائِضِهِمْ وَسَائِرِ اموالهم ما شاؤوا وَكَرِهَ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَصِيَّةَ فِي الثلث لمن يرثه ذريته واستحبت منهم جماعة الوصية بالخمس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَضِيتُ فِي وَصِيَّتِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَفْسِهِ يَعْنِي مِنَ الْغَنِيمَةِ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ وَأَبَا قِلَابَةَ يَقُولَانِ أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمُسِ وَاسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ الْوَصِيَّةَ بِالرُّبُعِ رُوِيَ ذَلِكَ عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ الرُّبُعُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثُّلُثُ كَثِيرٌ) إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَعْرِفُ فِي مَالِهِ شُبُهَاتٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَاسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَكُمْ فِي الْوَصِيَّةِ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ) رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ فِيهَا لِينٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي (التَّمْهِيدِ) مِنْهَا مَا رواه وكيع وبن وَهْبٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُجْتَمَعٌ على ضعفه والصحيح عن بن عَبَّاسٍ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال بن عَبَّاسٍ لَوْ غَضَّ النَّاسُ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فِي الْوَصِيَّةِ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ أَرْضَى فِي وَصِيَّتِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْخُمُسِ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي خُمُسَ الْفَيْءِ لقوله (فان لله خمسه) الاية الْأَنْفَالِ 41 وَقَالَ قَتَادَةُ الثُّلُثُ كَثِيرٌ وَالْقُضَاةُ يُجِيزُونَهُ وَالرُّبُعُ قَصْدٌ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمُسِ وَقَالَ بن سِيرِينَ الثُّلُثُ جَهْدٌ وَهُوَ جَائِزٌ وَقَالَ قَتَادَةُ أَوْصَى عُمَرُ بِالرُّبُعِ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمُسِ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ كَانَ الْخُمُسُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الرُّبُعِ وَالرُّبُعُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فِي (التَّمْهِيدِ) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عِيَادَةُ الْعَالِمِ وَالْخَلِيفَةِ وَسَائِرِ الْجِلَّةِ لِلْمَرِيضِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ لَا يَزْكُو مِنْهَا إِلَّا مَا أُرِيدَ به وجه الله تعالى لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا) وَفِيهِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْبَنِينِ وَالزَّوْجَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الزَّاكِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَأَنَّ تَرْكَ الْمَالِ لِلْوَرَثَةِ إِذَا كَانَ فَضْلًا أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ (أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي) فَمَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَأُخَلَّفُ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِي الْمُهَاجِرِينَ الْمُتَصَدِّقِينَ مَعَكَ إِلَى الْمَدِينَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا وَإِشْفَاقًا مِنْ بَقَائِهِ فِي مَوْضِعٍ قَدْ هَجَرَهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَمَّا جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً) فَلَمْ يَخْرُجْ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْغَيْبَ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَلَكِنَّ مَنْ خُلِّفَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَعَتْ بِهِ دَرَجَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) فَهَذَا مِنْ ظُنُونِهِ الصَّادِقَةِ الَّتِي كَانَ كَثِيرًا مِنْهَا يَقِينًا فَقَدْ خُلِّفَ سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى انْتَفَعَ بِهِ اقوام وهلك به اخرون روى بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ سَأَلْتُ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِسَعْدٍ (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) فَقَالَ أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ فَقَتَلَ قَوْمًا عَلَى رِدَّةٍ فَأَضَرَّ بِهِمْ وَاسْتَتَابَ قَوْمًا سَجَعُوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ فَتَابُوا فَانْتَفَعُوا قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّرَهُ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْكُوفَةِ عَلَى حَرْبِ الْقَادِسِيَّةِ وَعَمَّرَ سعد بعد حجة الوداع خمس واربعون سَنَةً وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) فَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُمْ فِي أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ هِجْرَتَهُمْ سَالِمَةً مِنْ آفَاتِ الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِجْرَتِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى هِجْرَتِهِمْ تِلْكَ وَكَانُوا يَسْتَعِيذُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعُودُوا كَالْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ لِأَنَّ الْأَعْرَابَ لَمْ يُتَعَبَّدُوا بِالْهِجْرَةِ الَّتِي كَانَ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُهَاجِرِ الرُّجُوعُ إِلَى وَطَنِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 وَلَمْ تَكُنِ الْهِجْرَةُ (مُقْتَصَرَةٌ) فِي تَرْكِ الْوَطَنِ وَتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ إِلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهَا وَاتَّبَعُوهُ لِيَتِمَّ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ الْغَايَةُ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُمْ فَعَلَيْهِمْ خَاصَّةٌ افْتُرِضَتِ الهجرة المفترض فيها البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ اسْتَقَرَّ وَالتَّحَوُّلُ مَعَهُ حَيْثُ تَحَوَّلَ لِنُصْرَتِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ وَصُحْبَتِهِ وَالْحِفْظِ لِمَا يَشْرَعُهُ وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُ وَلَمْ يُرَخَّصْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ وَتَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ لِأَنَّ هِجْرَةَ دَارِ الْكُفْرِ حَيْثُ كَانَتْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنُ أَنْ يَهْجُرَ دَارَ الْكُفْرِ لِئَلَّا تَجْرِيَ عَلَيْهِ فِيهَا أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ حَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ) فَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هِجْرَتِهِ هَذِهِ حَالَةَ الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إِذَا عَادَتْ تِلْكَ الدَّارُ دَارَ إِيمَانٍ وَإِسْلَامٍ وَلَيْسَ أَهْلُ مَكَّةَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَاقِيَةً إِلَى الْمَمَاتِ وَهُمُ الَّذِينَ أُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الْمُهَاجِرُونَ وَمُدِحُوا بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرْخَصُ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ تَمَامِ نُسُكِهِ وَحَجِّهِ رَوَاهُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَعْنَاقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ خَلَّفَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ (إِنْ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنْهُ بِهَا) قَالَ سُفْيَانُ لِأَنَّهُ كان مهاجرا وعن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمُوتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ (نَعَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عن ابيه عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا) لِأَنَّهُ كَانَ مُهَاجِرًا وَقَالَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ عَنِ الْمُقَامِ وَالْجِوَارِ بِمَكَّةَ فَقَالَ أَمَّا الْمُهَاجِرُ فَلَا يُقِيمُ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ الْمُقَامُ بِمَكَّةَ خَشْيَةَ أَنْ يَكْثُرَ النَّاسُ بِهَا فَتَغْلُوا أَسْعَارُ أَهْلِهَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَخَافُ أَوْ قَالَ إِنِّي أَرْهَبُ أَنْ أَمُوتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا فَادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا هِجْرَةَ تُبْتَدَأُ بَعْدَ الْفَتْحِ مُفْتَرَضَةٌ لَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ كُلِّهَا وَفِي بَعْضِهَا (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ (الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وَقَالَ لِبَعْضِهِمْ إِذْ سَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَآتِ الزَّكَاةَ وَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَاجْتَنِبْ مَا نَهَاكَ عَنْهُ وَاسْكُنْ مِنْ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذِهِ الْهِجْرَةُ الْمُفْتَرَضَةُ الْبَاقِيَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ بِهِجْرَتِهِمْ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَدِينَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ أَبَدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 أَلَا تَرَى أَنَّ عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَا يَطُوفُونَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إِلَّا وَرَوَاحِلُهُمْ قَدْ رُحِّلَتْ وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مَا كان صلى الله عليه وسلم حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِمَوْتِهِ فَافْتَرَقُوا فِي الْبُلْدَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي جَرِيرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عن ابيه فذكر معنى حديث بن شِهَابٍ وَفِيهِ (لَكِنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ الْبَائِسَ قَدْ مَاتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي قَدْ هَاجَرَ مِنْهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا قَالَهُ شُيُوخُنَا في حديث بن شِهَابٍ (يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) مِنْ كَلَامِ بن شِهَابٍ صَحِيحٌ وَمَعْلُومٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآثَارِ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ (الْبَائِسَ) إِنَّمَا كَانَ رُثِيَ بِذَلِكَ لِمَوْتِهِ بِمَكَّةَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ وَاخْتَارَ التَّوَدُّدَ بِهَا حَتَّى أَدْرَكَتْهُ فِيهَا مَنِيَّتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَابِرٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ بَدْرِيٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِمَا يَنْبَغِي مِنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ غُلَامِي يَخْدِمُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ يُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ إِجَارَتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ إِجَارَةٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ الْعَبْدُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيمَا زَادَ مِنَ الْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْبَسَاتِينِ وَسُكْنَى الْمَسَاكِينِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَسَوَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا الْحَسَنِ قَاضِيَا الْبَصْرَةِ الْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّةِ الْبَسَاتِينِ فِيمَا يُسْتَأْذَنُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتِ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ ذلك اذا اجازه الورثة وقال بن ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنَافِعٌ طَارِئَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَمَاتَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ يَمْلِكُ الْمُؤَاجِرُ بِهَا الْبَدَلَ مِنْ مَنَافِعِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ عَلَى مِلْكِهِ كُلُّ مَا يَطْرَأُ مِنَ الْمَنَافِعِ مَا دَامَ الْأَصْلُ فِي مِلْكِهِ وَكَانَ حَيًّا وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ طَارِئَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَأَمَّا الْأَوْقَافُ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَجَازَتْهَا بِخُرُوجِ مِلْكِ أَصْلِهَا عَنِ الْمُوقِفِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَتَحَرَّى عَلَيْهَا فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَيْسَتِ الْمَنَافِعُ فِيهَا طَارِئَةً عَلَى مِلْكِ الْمُوقِفِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَمْلِكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ أُصُولَ الْأَوْقَافِ عَلَى مِلْكِ الْمُوقِفِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنْقَطِعُ عَمَلُ الْمَرْءِ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) فَذَكَرَ مِنْهَا صَدَقَةً يَجْرِي عَلَيْهِ نَفْعُهَا وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْأَجْرَ الَّذِي يَنَالُهُ الْمَيِّتُ فِيمَا يُوقِفُهُ مِنْ أُصُولِ مَالِهِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أَصْلَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَبِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ كَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعَمِلَ بِهَا غَيْرُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ قَالَ بن شبرمة وبن ابي لَيْلَى مَنْ أَوْصَى بِفَرْعِ شَيْءٍ وَلَمْ يُوصِ بِأَصْلِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ بن ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَمَنْ تَابَعَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُوصِي فِي ثُلُثِهِ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا يُسَمِّي مَالًا مِنْ مَالِهِ فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ قَدْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَسِّمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَيُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ ثُلُثَهُ فَتَكُونُ حُقُوقُهُمْ فِيهِ إِنْ أَرَادُوا بَالِغًا مَا بَلَغَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابُهَا يَدْعُونَهَا مَسْأَلَةَ خَلْعِ الثُّلُثِ وَخَالَفَهُمْ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَنْكَرُوهَا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ إِيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ لِلشَّيْءِ الْمُوصَى بِهِ فَكَيْفَ تَجُوزُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ بِثُلُثٍ لَا يَبْلُغُ إِلَّا مَعْرِفَتَهُ وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْبِيَاعَاتُ وَالْمُعَاوَضَاتُ فِي الْمَجْهُولَاتِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِلْكُ مَالِكٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُوصَى لَهُ مَا قَدْ مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ لَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ أَنَّ الثُّلُثَ مَوْضِعٌ لِلْوَصَايَا فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُخْرِجُوا مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ خُيِّرُوا بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا لِلْمُوَصَّى لَهُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ لَهُمْ أَوْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ ثُلُثَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْعَبْدُ قِيمَتُهُ أَلْفٌ كَانَ سَيِّدُهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي أَضْعَافَ قِيمَةِ الْجِنَايَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إِذَا ادَّعَوْا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَكْثَرُ مِنَ الثُّلُثِ كُلِّفُوا بَيَانَ ذَلِكَ فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ وَكَانَ كَمَا ذَكَرُوا أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ من الموصى له قدر ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ وَكَانَ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ أُجْبِرُوا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 |