قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (إِنْ تَرَكَ
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الْبَقَرَةِ 180 نَسَخَهَا مَا نَزَلَ مِنْ قِسْمَةِ الْفَرَائِضِ فِي
كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (...)
 
قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (إِنْ تَرَكَ
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الْبَقَرَةِ 180 نَسَخَهَا مَا نَزَلَ مِنْ قِسْمَةِ الْفَرَائِضِ فِي
كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مِنَ التَّنَازُعِ وَهَلْ
هِيَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكَمَةٌ وَمَا النَّاسِخُ لَهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ هُنَا
قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ
يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ
أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَتْ أَيْضًا مُجَوَّدَةً فِيمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالِاعْتِلَالِ فِي بَابِ
الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِتَكْرَارِهَا
قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُوصِي فَيَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّتِهِ وَهُوَ
مَرِيضٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا ثُلُثُهُ فَيَأْذَنُونَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ
أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي ذَلِكَ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَهُمْ صَنَعَ كُلُّ وَارِثٍ ذَلِكَ فَإِذَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283
هَلَكَ الْمُوصِي أَخَذُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَنَعُوهُ الْوَصِيَّةَ فِي ثُلُثِهِ وَمَا أُذِنَ لَهُ بِهِ فِي مَالِهِ
قَالَ فَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا لِوَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَإِنَّ
ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يردوا ذلك ان شاؤوا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا
كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ إِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ خَرَجَ
فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُعْطِيهِ مَنْ شَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِئْذَانُهُ وَرَثَتَهُ جَائِزًا عَلَى الْوَرَثَةِ إِذَا
أَذِنُوا لَهُ حِينَ يُحْجَبُ عَنْهُ مَالُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهِ وَحِينَ هُمْ أَحَقُّ بِثُلُثَيْ
مَالِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَمَا أَذِنُوا لَهُ بِهِ فَإِنْ سَأَلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنْ
يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيَفْعَلَ ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدٌّ
عَلَى مَنْ وَهَبَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَيِّتُ فُلَانٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ
تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا سَمَّاهُ الْمَيِّتُ لَهُ
قَالَ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ ثُمَّ أَنْفَذَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضٌ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الَّذِي وَهَبَ
يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الَّذِي أُعْطِيَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ إِنْ أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلْمَرِيضِ فِي حَالِ مَرَضِهِ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثِهِ أَوْ
بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُخَافُ دُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنْعِ
رِفْدٍ وَإِحْسَانٍ وَقَطْعِ نَفَقَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَنَحْوِ هَذَا إِنِ امْتَنَعُوا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُمْ
إِذْنُهُمْ وَكَانَ لَهُمُ الرُّجُوعُ فِيمَا أَذِنُوا فِيهِ بعد موته روى ذلك بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ
وَإِنِ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إِنْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ وَيَلْزَمُهُمْ إِذْنُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا
رُجُوعَ لَهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ
وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنْ مَذْهَبِهِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ إِنَّ إِذْنَهُمْ وَإِجَازَتَهُمْ لِوَصِيَّتِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ سَوَاءٌ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ
مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ حِينَ يَجِبُ لَهُمُ الْمِيرَاثُ وَيَجِبُ لِلْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةُ
لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ مِنْ مَرَضِهِ وَقَدْ لَا يَمُوتُ وَقَدْ يَمُوتُ ذَلِكَ الْوَارِثُ الْمُسْتَأْذَنُ قَبْلَهُ فَلَا
يَكُونُ وَارِثًا وَيَرِثُهُ غَيْرُهُ وَمَنْ أَجَازَ مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ فَلَيْسَ فِعْلُهُ ذَلِكَ
بِلَازِمٍ له
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وسفيان الثوري
وروي ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْطَى بَعْضَ وَرَثَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ
فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَثَةِ مِيرَاثًا عَلَى كِتَابِ الله تعالى
لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ وَلَا يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِهِ
بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا إِلَّا فِي الْمَرَضِ أَوْ عَطِيَّةٌ مِنْ صَحِيحٍ
ذَكَرَهَا فِي وَصِيَّتِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ ثُلُثِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ فَإِذَا لَمْ يُجِزْهَا
الْوَرَثَةُ لَمْ يَجُزْ وَلَا سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ شَيْءٌ يُنْقَلُ إِلَى حُكْمِ
الصِّحَّةِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لَمْ
يُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ
وَهَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَصْنَعَ وَهُوَ مَرِيضٌ صَنِيعَ صَحِيحٍ فَيُعْطِي الْوَارِثَ وَهُوَ مَرِيضٌ
عَطِيَّتَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَلَمْ يُجِزْ لَهُ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ
مَرِيضٌ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا فِي صِحَّتِي لَمْ يَقْبِضْهُ وَأَنَا أُوصِي بِهِ لَهُ الْآنَ فَهَذَا مَوْقُوفٌ
عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
وَلَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَدْ قَالَ أَنْفِذُوا لَهُ مَا أَعْطَيْتُهُ فِي الصِّحَّةِ فَقَدْ أَوْصَيْتُ لَهُ بِهِ وَأَنْفَذْتُهُ
لَهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا له مِنْ ثُلُثِهِ رَضِيَ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرْضَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ
مِنَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ إِجَازَتِهِمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَا
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا