مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِلَافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ فَيُغْلِي بِهَا ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ فَأَفْلَسَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ (...) |
مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِلَافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ فَيُغْلِي بِهَا ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ فَأَفْلَسَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ أَلَا وَإِنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا فَأَصْبَحَ قدرين بِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هُمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 قَالَ أَبُو عُمَرَ وَيُرْوَى قَدْ دَانَ وَقَدْ أَدَانَ وَيُرْوَى بِلَا قَدْ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَرْوُونَهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ القاسم وبن بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَأَفْلَسَ فَإِنَّهُ أَرَادَ صَارَ مُفْلِسًا وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ دَعَا غُرَمَاءَهُ لِيُقَسِّمُوهَا عَلَيْهِمْ وَهَذَا شَأْنُ مَنْ أَحَاطَ دَيْنُ غُرَمَائِهِ بِمَالِهِ وَقَامُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ يَطْلُبُونَهُ وَأَثْبَتُوا دُيُونَهُمْ عَلَيْهِ بِمَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوهٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ ذلك إِقْرَارِهِ لِأَنَّ حَبْسَهُ لَهُ تَفْلِيسٌ وَإِنَّمَا قِيلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غُرَمَائِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَاكِمِ فِيهِ مَا وَصَفْنَا التَّفْلِيسَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إِقْرَارُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ وَإِذَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْلِيسِ فَهُوَ حَجْرٌ أَيْضًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يُفَلِّسَهُ فَيَقُولُ لَا أُجِيرُ لَهُ أَمْرًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ صَدَقَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُمَا هَذَا قَدْ قَالَ بِنَحْوِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَإِنْ لَمْ يَقِفِ السُّلْطَانُ مَالَهُ وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَى يَدِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ مِنْ أَجْلِ قِيَامِ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ فَفِعْلُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَائِزٌ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَقَضَاءِ مَنْ شَاءَ مِنْ غُرَمَائِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَاكِمِ فِيهِ مَا وَصَفْنَا وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ حاشا بن الْقَاسِمِ أَنَّ السَّفِيهَ الَّذِي لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَلَا قَاضٍ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا نَافِذَةٌ حَتَّى يَضْرِبَ الْحَاكِمُ عَلَى يَدَيْهِ وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ إِذَا رُفِعَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ التَّفْلِيسَ إِلَى الْقَاضِي أَشْهَدَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ أَوْقَفَ مَالَهُ فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ وَالْأُخْرَى انه باطل وقال بن أَبِي لَيْلَى إِذَا أَفْلَسَهُ الْحَاكِمُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَيَبِيعُ الْقَاضِي مَالَهُ وَيَقْضِيهِ الْغُرَمَاءَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي (نَوَادِرِ بن سَمَاعَةَ) قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ وَلَا عِتْقُهُ وَلَا شَيْءٌ يَتْلَفُ بِهِ مَالُهُ حَتَّى يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ إِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَحُبِسَ لَهُ فَحَبْسُهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ وَقَالَ شَرِيكٌ مِثْلَ قَوْلِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ وَبَيْعُهُ وَجَمِيعُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ إِقْرَارُهُ بَعْدَ حَبْسِهِ بِالدَّيْنِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْحَجْرَ بِالدَّيْنِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ وَلَا لِسَفَهٍ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ فِي الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ لَا يُبَاعُ عَلَى الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَبِيعَ هُوَ إِلَّا الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَإِنَّهَا تُبَاعُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ يُبَاعُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَيُقْضَى غُرَمَاؤُهُ فَإِنْ قَامَ مَالُهُ بِدُيُونِهِمْ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحِصَصِ بِقَدْرِ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ (الْأُسَيْفِعُ) فَهُوَ تَصْغِيرُ أَسْفَعَ وَالْأَسْفَعُ الْأَسْمَرُ الشَّدِيدُ السُّمْرَةِ وقيل الاسفع الذي تعلو وجهه حمزة تَنْحُو إِلَى السَّوَادِ وَقَوْلُهُ (أَدَانَ مُعْرِضًا) أَيِ استدان متهاونا بذلك فاصبح قدرين بِهِ أَيْ أُحِيطَ بِهِ يُرِيدُ أَحَاطَ بِهِ غُرَمَاؤُهُ وَأَحَاطَ الدَّيْنُ بِهِ وَذَلِكَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) الْمُطَفِّفِينَ 14 الْآيَةَ أَيْ غَلَبَ الدَّيْنُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَاسْوَدَّ جَمِيعُهَا فَلَمْ تَعْرِفْ مَعْرُوفًا وَلَا أَنْكَرَتْ مُنْكَرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ آخِرُهُ حَرَبٌ وَالْحَرَبُ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ السَّلَبُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ رَجُلٌ حَرِيبٌ أَيْ سَلِيبٌ مَسْلُوبٌ قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصلت الثقفي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 (قَوْمٌ إِذَا نَزَلَ الْحَرِيبُ بِدَارِهِمْ ... رَدُّوهُ رَدَّ صَوَاهِلٍ وَنِيَاقِ |