مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ
وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ
وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ مَا جَازَ ذَلِكَ
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ فَإِذَا جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لَهُ
وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ خَرَجَ النَّاسُ فِي مَعَانِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ وُجُوهًا كَثِيرَةً فَمِنْهُمْ مَنْ له في
ذلك باب ومنهم فِي ذَلِكَ كِتَابٌ وَرُبَّمَا ذَكَرُوا مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ مَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُثِيرُهُ
وَنَحْنُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَوْنِهِ وَفَضْلِهِ - نَذْكُرُ من معاني حديث بريرة ها هنا
مَا فِيهِ كِفَايَةٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي عَنَى بذكرها وبالحرص فيها الفقهاء واولو الْأَحْلَامِ
وَالنُّهَى
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ اسْتِعْمَالُ عُمُومِ الْخِطَابِ فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ لِأَنَّ بَرِيرَةَ
لَمَّا كَاتَبَهَا أَهْلُهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ قَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ) الْآيَةَ النُّورِ 33 وَأَنَّ
الْأَمَةَ ذَاتَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ دَاخِلَةٌ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ
لِأَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ لَا خِلَافَ فِيهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ كِتَابَةَ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ جَائِزَةٌ دُونَ زَوْجِهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
زَوْجَهَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنَ الكتابة وان كانت تؤول إِلَى فِرَاقِهِ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ إِذَا أَدَّتْ
وَعَتَقَتْ وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَا مَنْعُهَا مِنَ السَّعْيِ فِي كِتَابَتِهَا
وَلَوِ اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا خِدْمَةُ زَوْجِهَا كَانَ حَسَنًا
كَمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ عِتْقُ الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى بُطْلَانِ نِكَاحِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ
أَمَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا الحر وان كان في ذلك بطلان زوجيتيهما كَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى جَائِزًا لَهُ
كِتَابَتُهَا عَلَى رَغْمِ زَوْجِهَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِهِ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبَةُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ مِنَ
الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْهَا
شَيْئًا
كَذَلِكَ ذكر بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ بن وهب عن يونس والليث
عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيَّ فَقَالَتْ يَا عَائِشَةُ! إِنِّي
كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا
شَيْئًا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِجَازَةِ كِتَابَةِ الْأَمَةِ وَهِيَ غَيْرُ ذَاتِ صَنْعَةٍ وَكِتَابَةِ مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وَلَا
مَالَ مَعَهُ إِذْ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهَا ابْتَدَأَتْ بِالسُّؤَالِ مِنْ حِينِ كُوتِبَتْ وَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَهَا مَالٌ أَوْ عَمَلٌ وَاجِبٌ أَوْ مَالٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا لَسَأَلَ عَنْهُ
لِيَقَعَ عِلْمُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بُعِثَ مُبَيِّنًا وَمُعَلِّمًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350
وَفِيمَا وَصَفْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنْ عَلِمْتُمْ فيهم خيرا)
النور 33 ان الخير ها هنا الْمَالُ لَيْسَ بِالتَّأْوِيلِ الْجَيِّدِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَابِ الْمُكَاتَبِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ضَعْفِ هَذَا التَّأْوِيلِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ إِنْ شَاءَ أَنْ
يَنْتَزِعَهُ مِنْ عِنْدِهِ انْتَزَعَهُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَكَيْفَ
يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ إِلَّا أَنْ يَشَأْ تَرْكَ ذَلِكَ لَهُ
وَأَصَحُّ مَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْخَيْرَ الْمَذْكُورَ فِيهَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى
الِاكْتِسَابِ مَعَ الْأَمَانَةِ وَقَدْ يُكْتَسَبُ بِالسُّؤَالِ كَمَا قِيلَ السُّؤَالُ آخِرُ كَسْبِ الرجل أي
ارذل كسب الرجل
وكان بن عُمَرَ يَكْرَهُ كِتَابَةَ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَةٌ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ مُكَاتَبُهُ
مِنْ سُؤَالِ النَّاسِ وَقَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ
وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اكْتِسَابِ الْمُكَاتَبِ بِالسُّؤَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ طَيِّبٌ
لِمَوْلَاهُ وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ إِذَا عَدَلَ عَلَى السُّؤَالِ لِأَنَّهُ
يُطْعِمُهُ أَوْسَاخَ النَّاسِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَنَّ مَا طَابَ لِبَرِيرَةَ أَخْذُهُ طَابَ لِسَيِّدِهَا أَخْذُهُ مِنْهَا اعْتِبَارًا
بِاللَّحْمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا صَدَقَهً وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً وَاعْتِبَارًا أَيْضًا
بِجَوَازِ مُعَامَلَةِ النَّاسِ لِلسَّائِلِ
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَغَيْرِهِ
أَنَّهُ قَالَ (مَنْ أَعَانَ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ
أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظله) فَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ
وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَفِي الرِّقَابِ) التَّوْبَةِ 60
أَنَّهُمُ الْمُكَاتَبُونَ يُعَانُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ مَنِ اشْتَرَطَ مِنْهُمْ عَوْنَهُمْ فِي أَجْرِ الْكِتَابَةِ وَمَنْ
لَمْ يَشْتَرِطْ وَأَجَازُوا لَهُمُ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَضْلًا عَنِ التَّطَوُّعِ
وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) النُّورِ
33 قَالَ صِدْقًا وَأَمَانَةً مَنْ أَعْطَاهُمْ كَانَ مَأْجُورًا وَمَنْ سُئِلَ فَرَدَّ خَيْرًا كَانَ مَأْجُورًا
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا صدقا ووفاء
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351
وَقَالَ عِكْرِمَةُ قُوَّةٌ تُعِينُ عَلَى الْكَسْبِ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ دِينًا وَأَمَانَةً
وَقَالَ آخَرُونَ الْخَيْرُ ها هنا الصَّلَاةُ وَالصَّلَاحُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِأَتَمِّ ذِكْرٍ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ كِتَابَةِ مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وَلَا مَالَ مَعَهُ
فَقَدْ رُوِيَ عن مالك ايضا كراهية ذلك
وكره الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ كِتَابَةَ مَنْ لَا حِرْفَةَ له
وعن عمر وبن عُمَرَ وَمَسْرُوقٍ مِثْلُ ذَلِكَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي وُجُوبِ كِتَابَةِ الْعَبِيدِ إِذَا ابْتَغَوْا ذَلِكَ مِنْ سَادَاتِهِمْ
وَعَلِمُوا فِيهِمْ خَيْرًا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ
وَأَمَّا قَوْلُهَا (كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ) فَقَدْ ذَكَرْنَا مَبْلَغَ الاوقية والاصل فيها في
كِتَابِ الزَّكَاةِ
وَأَمَّا قَوْلُهَا فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ عَلَى النَّجْمِ وَهَذَا جَائِزٌ
عِنْدَ الْجَمِيعِ وَأَقَلُّ الْأَنْجُمِ ثَلَاثَةٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابَةِ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجِيزُونَهَا عَلَى نَجْمٍ
وَاحِدٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ وَلَا تَجُوزُ حَالَّةٌ الْبَتَّةَ لانها ليست كتابة وانما
هو عِتْقٌ عَلَى صِفَةِ كِتَابَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ كَذَا وَكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَدِ احْتَجَّ
بِقَوْلِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ
وَمَنْ أَجَازَ النَّجَامَةَ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كذا ولا يَقُولَ فِي
أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَقُلْ إِنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُكَاتَبَ مُنْفَرِدٌ بِكَسْبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ كَالْعَبْدِ
وَأَبَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يَقُولَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ
يُسَمِّيَ الْوَقْتَ مِنَ الشَّهْرِ أَوِ الْعَامِ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ إِلَى
أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ حَبَلَةٍ وَهِيَ إِلَى حِينِ تُبَاعُ النَّاقَةُ وَنَتَاجُ نَتَاجِهَا وَقَالُوا
لَيْسَ مُعَامَلَةُ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ كَالْبُيُوعِ لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ (الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ (إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتُهَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَّ فِي
الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِهَا جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَزْنِ
لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ أَزِنُهَا لَهُمْ وَهَذَا عَلَى حَسَبِ سُنَّةِ الْبَلَدِ وَعِلْمِ ذَلِكَ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ
سُنَّةِ بَلَدِنَا وَلَا مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا
وَالْأَصْلُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الْوَزْنُ وَفِي الْبُرِّ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْعَدُّ
فِي بَلَدٍ يَكُونُ الضَّارِبُ فِيهِ لِلدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ وَلَا تَدْخُلُهُ فِيهِ دَاخِلَةٌ
وَمَنْ أَجَازَ عَدَّ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إِنَّمَا يُجِيزُهَا فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا أَوْ فِي الذَّهَبِ بِالْوَزْنِ
لَا فِي بَعْضِ الْجِنْسِ بِبَعْضِهِ
وَأَمَّا قَوْلُهَا (وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ) فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُمُ
الْوَلَاءَ بَعْدَ عَقْدِهِمُ الْكِتَابَةَ لِأَمَتِهِمْ وَأَنْ تَوَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ لِيَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا فَأَبَوْا
ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَالُوا لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إِلَّا لَنَا
وَلَوْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ كَمَا نَقَلَهُ هِشَامٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ لَكَانَ النَّكِيرُ حِينَئِذٍ
عَلَى عَائِشَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَتْبُوعَةً بِأَدَاءِ كِتَابَةِ بَرِيرَةَ وَمُشْتَرِطَةٌ لِلْوَلَاءِ مِنْ أَجْلِ الْأَدَاءِ
وَهَذَا بَيْعُ الْوَلَاءِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْإِنْكَارُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دُونَ مَوَالِي بَرِيرَةَ
وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ هِشَامٍ
فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ وُهَيْبَ بْنَ خَالِدٍ - وَكَانَ حَافِظًا - رَوَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ فِيهِ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً
فَأُعْتِقَكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَقَوْلُهَا وَأُعْتِقُكِ دليل على شرائها لها شِرَاءً صَحِيحًا
لِأَنَّهُ لَا يُعْتِقُهَا إِلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ لَهَا
هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي قَوْلِهَا (واعتقك) والله اعلم
وفي حديث بن شهاب ان رسول الله قَالَ لِعَائِشَةَ (لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي)
فَأَمَرَهَا بِابْتِيَاعِ بَرِيرَةَ وَعِتْقِهَا بَعْدَ مِلْكِهَا لَهَا
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ
وَفِي قَوْلِهِ في حديث بن شِهَابٍ (ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ (خُذِيهَا) أَيْ خُذِيهَا بِالِابْتِيَاعِ ثُمَّ أَعْتِقِيهَا
وَيُصَحِّحُ هَذَا كُلَّهُ حَدِيثُ مَالِكٍ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353
تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَتَعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَنَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ)
وَلَيْسَ في احاديث بريرة اصح من هذا الْإِسْنَادِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ مُخْتَلِفَةُ
الْأَلْفَاظِ جدا
وقد بان في حديث بن عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَرَادَتْ شِرَاءَ بَرِيرَةَ وَعِتْقَهَا فَأَبَى أَهْلُهَا
إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ
وَفِي هَذَا يَكُونُ الْإِنْكَارُ عَلَى مَوَالِي بَرِيرَةَ لَا عَلَى عَائِشَةَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَلَا
يَتَحَوَّلُ بِبَيْعٍ وَلَا بِهِبَةٍ
وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ إِذَا كَانَ بَاطِلًا وتصحيح البيع وهذه مسألة اختلفت
فِيهَا الْآثَارُ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ أَرَادُوا أَنْ
يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
(اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ مُوَافِقَةٌ لِحَدِيثِ بن عمر في ذلك
وكذلك في حديث بن شِهَابٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَهَا بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً وَتَعْتِقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهَا
وَفِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ (خُذِيهَا وَلَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ) دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شِرَائِهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَاشْتِرَاطُ أَهْلِ بَرِيرَةَ الْوَلَاءَ بَعْدَ بَيْعِهِمْ لَهَا لِلْعِتْقِ خَطَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُنْكِرًا لِذَلِكَ وَقَالَ (مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَيْ
لَيْسَتْ فِي حُكْمِ اللَّهِ كما قال الله تعالى (كتاب الله عليكم) النساء 24 أي حكم الله
فيكم
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لِلْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِي حَالِ تَعْجِيزِهِ وَحُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ
فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ لَا يُوجِبُ لَهُ عِتْقًا
وَفِي ذَلِكَ رَدُّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَالْغَرِيمِ مِنَ الْغُرَمَاءِ إِذَا عُقِدَتْ كِتَابَتُهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ
أَظْهِرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَيْ عَرِّفِيهِمْ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ لِأَنَّ
الِاشْتِرَاطَ الْإِظْهَارُ وَمِنْهَا أَشْرَاطُ السَّاعَةِ ظُهُورُ علاماتها
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354
قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ
(فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ ... وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا)
أَيْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ فِيمَا حَاوَلَ أَنْ يَفْعَلَ
وَقِيلَ اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ أَيِ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) الاسراء 7 أي فعليها
وكقوله (اولائك لَهُمُ اللَّعْنَةُ) الرَّعْدِ 25 أَيْ عَلَيْهِمْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى (فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) النِّسَاءِ
109 قَوْلُهُ عَلَيْهِمْ بِمَعْنَى لَهُمْ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ وَالتَّهَاوُنُ لِمَنْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَاسْتَفْزِزْ
مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَولَادِ) الْآيَةَ الْإِسْرَاءِ 64
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) الْإِسْرَاءِ 65 بَيَانًا بِفِعْلٍ مِنْ فِعْلِ
مَا نَهَى عَنْهُ وَتَحْذِيرًا مِنْ مُوَافَقَةِ ذَلِكَ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ إِعْلَامِهِمْ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنِّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا
يُوهَبُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنِ شَيْءٍ ثُمَّ يَأْتِيَهُ
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُمْ إِيَّاهُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ لَا
يَجُوزُ غَيْرُ نَافِعٍ لَهُمْ وَلَا جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِاشْتِرَاطِ
الْوَلَاءِ لَهُمْ لِيَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَهُمْ غَيْرُ عَالِمِينَ بِأَنَّ
اشْتِرَاطَهُمْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ لِأَنَّ هَذَا مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ
وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا نَهَى عَنْ فِعْلِهِ
وَأَنْ يَرْضَى لِغَيْرِهِ مَا لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَكَافِرٌ بِطَعْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ تَهْدِيدًا
وَوَعِيدًا لِمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ وَحُكْمِهِ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ
أَمْرَهُ وَأَقْدَمَ عَلَى فِعْلِ مَا قَدْ نَهَى عَنْ فعله
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355
وليس في حديث مالك في هذا الْبَابِ تَخْيِيرُ بَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا وَهُوَ
عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ
فِيهِ هُنَاكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي الْبَيْعِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ
وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ
وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ يَطُولُ شَرْحُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ
وَيَأْتِي كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ
لَا يَنْعَقِدُ بَيْعٌ وَلَا شَرْطٌ أَصْلًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَضُرُّ الْبَيْعَ كَائِنًا مَا كَانَ
وَهَذِهِ أُصُولٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفْرَدَ لَهَا كِتَابٌ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي (التَّمْهِيدِ) خَبَرَ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ قَالَ قَدِمْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْتُ
أَبَا حَنِيفَةَ وبن ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فَقُلْتُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ بَاعَ
بَيْعًا وَشَرَطَ شَرْطًا فَقَالَ البيع باطل والشرط باطل ثم اتيت بن أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ
الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ باطل ثم اتيت بن شُبْرُمَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ
فَقُلْتُ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَتَيْتُ أَبَا
حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطُ الْبَيْعِ بَاطِلٌ ثُمَّ اتيت بن أَبِي لَيْلَى
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
(أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَعْتِقَهَا وَإِنِ اشْتَرَطَ
أَهْلُهَا الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ثُمَّ أَتَيْتُ بن شُبْرُمَةَ
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَا لَكِ حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حِمْلَانَهَا أَوْ ظَهْرَهَا
إِلَى الْمَدِينَةِ) الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي
مَالِكٌ بِأَنَّهُ سَأَلَ بن شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ عَبْدُهُ وَلِيدَةَ قَوْمٍ وَاشْتَرَطَ عَلَى عَبْدِهِ أَنَّ
مَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ مِنْ وَلَدٍ فَلَهُ شِطْرُهُ وَقَدْ أَعْطَاهَا الْعَبْدُ مهرها فقال بن شِهَابٍ هَذَا مِنَ
الشَّرْطِ الَّذِي لَا نَرَى له جوازا
قال وقال بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ (ما بال الرجال يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ
فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ شَرَطَهُ مِائَةَ
مَرَّةٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ)
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ انْفَرَدَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي ثابت
عن بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي
حُكْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ مِنْ كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) النِّسَاءِ 24 أَيْ حُكْمَ اللَّهِ وَقَضَائَهُ فِيكُمْ
وَفِيهِ إِجَازَةُ السَّجْعِ الْحَقِّ مِنَ الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ
وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)
وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي سَجْعِ الْأَعْرَابِيِّ (أَسَجْعًا كَسَجْعِ الْكُهَّانِ) لِأَنَّ الْكُهَّانَ يَسْجَعُونَ
بِالْبَاطِلِ لَيُخَرِّصُونَ وَيَرْجِمُونَ الْغَيْبَ وَيَحْكُمُونَ بِالظُّنُونِ
وَكَذَلِكَ عَابَ سَجْعَهُمْ وَسَجْعَ مَنْ أَشْبَهَ مَعْنَى سَجْعِهِمْ وَلِذَلِكَ عَابَ قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ فِي
مُعَارَضَةِ السُّنَّةِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ
فَقَالَ لَهُ (أَسَجْعًا كَسَجْعِ الْكُهَّانِ) لِأَنَّهُ كَانَ سَجْعًا فِي بَاطِلٍ اعْتِرَاضًا عَلَى حَكَمَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّجْعَ كَلَامٌ كَسَائِرِ الْكَلَامِ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ
إِلَى الْمُعْتِقِ إِلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ فَيَنْبَغِي بِظَاهِرِ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلَّذِي يُسْلِمُ عَلَى
يَدَيْهِ وَلِلْمُلْتَقِطِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357
فَأَمَّا الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ يُوَالِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا مِيرَاثَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ
وَلَا وَلَاءَ لَهُ وَمِيرَاثُ ذَلِكَ الْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يَدَعْ وَارِثًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وهو قول
الشافعي والثوري وبن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) يَنْفِي ذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ الْوَلَاءُ إِلَى الْمُعْتِقِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُدَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ وَعَاقَدَهُ ثُمَّ مَاتَ
وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لَهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَقَدْ وَالَاهُ وَمِيرَاثُهُ لَهُ إِذَا لَمْ يَدَعْ وَارِثًا
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ جَاءَ مِنْ
أَرْضِ الْعَدُوِّ كَافِرًا فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لَهُ وَلَاءَهُ
قَالَ وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ
يُفَرِّقْ رَبِيعَةُ وَلَا اللَّيْثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَأَهْلِهِ
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَبِيعَةَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ
وَأَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ)
وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي (التَّمْهِيدِ) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ
تَمِيمٍ الدَّارِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَصَحُّ وَسَنَذْكُرُ مِيرَاثَ اللَّقِيطِ وَوَلَاءَهُ فِي كِتَابِ
الاقضية عند ذكر حديث بن شِهَابٍ عَنْ سُنَيْنِ بْنِ جَمِيلَةَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَأَمَّا وَلَاءُ السَّائِبَةِ وَوَلَاءُ الْمُسْلِمِ يَعْتِقُهُ النَّصْرَانِيُّ فَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابٍ
فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ بِقَوْلٍ صَحِيحٍ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ
وَاحْتِجَاجُ مَالِكٍ بِذَلِكَ صَحِيحٌ حَسَنٌ جِدًّا إِلَّا إِنَّهَا مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ قَدِيمًا وَمَنْ
بَعْدَهُمْ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُدَ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَعَلَ إِسْلَامَهُ عَلَى يَدَيْهِ مُوَالَاةً وَجَعَلَ لِمَنْ لَا وَلَاءَ
عَلَيْهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي رَجُلٍ وَالَى قَوْمًا أَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُمْ
وَعَقْلَهُ عَلَيْهِمْ
قَالَ الزُّهْرِيُّ إِذَا لَمْ يُوَالِ أَحَدًا وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ
وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ ولاؤه)
وروي عن عمر وعلي وعثمان وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الْمُوَالَاةَ وَوَرَّثُوا بِهَا
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ نَحْوُهُ
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (أَيُّمَا رَجُلٍ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَعَقَلَ عَنْهُ وَرِثَهُ وَإِنْ
لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ لَمْ يَرِثْهُ)
وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا وَالَاهُ عَلَى أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ وَيَرِثَهُ عَقَلَ عَنْهُ وَوَرِثَهُ إِذَا
لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا
قَالُوا وَلَهُ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِ
وَلِلْمُولِي أَنْ يَبْرَأَ مِنْ وَلَائِهِ بِحَضْرَتِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَلَمْ
يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَمْ يُوَالِهِ لَمْ يَرِثْهُ وَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَإِبْرَاهِيمَ
وهذا كُلُّهُ فِيمَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ وَلَا ذُو رَحِمٍ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عِتْقُ الْمَرْءِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في ذلك
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359
فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ عَنْهُ
سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ
وَقَالَ أَشْهَبُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَسَوَاءٌ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَحُجَّةُ مَالِكٍ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ
ذَكَرَهُ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي بَلَائِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ
عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ وَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ أَنْ
يُذْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا فِي حق
وقد روي هذا الحديث عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْأَسَانِيدِ فِي
(التَّمْهِيدِ)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْمَرْءِ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَكُونُ بِالْعِتْقِ
وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ شَرِيعَةَ أَيُّوبَ كَانَتْ بِخِلَافِ شَرِيعَتِنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) الْأَنْعَامِ 90
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَعْتَقْتَ عَبْدَكَ عَنْ رَجُلٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بغير امره فولاءه لَكَ وَإِنْ
أَعْتَقْتَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَيُجْزِئُهُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِ مَالٍ وَسَوَاءٌ
قَبِلَهُ الْمُعْتِقُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُدَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ إِنْ قَالَ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدَكَ عَلَى مَالٍ ذَكَرَهُ فَالْوَلَاءُ
لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ وَإِذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِغَيْرِ مَالٍ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ
لِأَنَّ الْآمِرَ لم يملك منه شيئا وهي هبة باطل لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ فِيهَا الْقَبْضُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)
يَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدَةُ وَالْجَمَاعَةُ لِأَنَّهُ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ كُلُّهُ إِلَّا أَنَّ السَّفِيهَ
الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَهُنَّ وَلَاءُ
مَنْ أَعْتَقْنَ دُونَ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
كَثِيرًا