مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ) (...)
 
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ) فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ
وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ
أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ
ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ
بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ
قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يُرِيدُ يَمِيلُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ
مَأْخُوذٌ مِنْ حَنَى الشَّيْخُ إِذَا انْحَنَى
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَذَا يَرْوِيهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هو يحنا مهموز يقال منه حنا يحنأ
حناء وحنوءا اذا مال والمنحنىء وَالِانْحِنَاءُ حَنَأَ وَيَحْنَأُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ يَحْنِئُ بِالْحَاءِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ
جدا
وقال ايوب عن نافع يجانىء عَنْهَا بِيَدِهِ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالم عن بن عُمَرَ يُجَافِي بِيَدِهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ سُؤَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ كِتَابِهِمْ وَفَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
التَّوْرَاةَ صَحِيحَةٌ بِأَيْدِيهِمْ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا سَأَلَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا
وفي ما ذَكَرْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا كَانُوا يَكْتُبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
هِيَ كُتُبُ أَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ لَهُمْ كُتُبًا مِنْ آرَائِهِمْ وَيُضِيفُونَهَا إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَلِهَذَا وَشِبْهِهِ مِنْ إِشْكَالِ أَمْرِهِمْ نُهِينَا عَنْ تَصْدِيقِ مَا حَدَّثُونَا بِهِ وَعَنْ
تَكْذِيبِهِ حَذَرًا مِنْ أَنْ نُصَدِّقَ بِبَاطِلٍ أَوْ نُكَذِّبَ بِحَقٍّ وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِهَذَا الْمَعْنَى بَابًا فِي
كِتَابِنَا كِتَابِ بَيَانِ الْعَلَمِ وَفَضْلِهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْيَهُودِ قَوْمًا يَكْذِبُونَ عَلَى تَوْرَاتِهِمْ وَيَسْتُرُونَ
مِنْهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَشْهَدُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُوَافِقُ دِينَهُمْ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الزُّنَاةَ مُحْصَنِينَ
كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ رَجْمٌ وَكَذَبُوا لِأَنَّ فِيهَا عَلَى مَنْ
أَحْصَنَ الرَّجْمَ
وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْنَا مُتَحَاكِمِينَ رَاضِينَ بِحُكْمِنَا فِيهِمْ وَكَانَتْ شَرِيعَتُنَا
مُوَافِقَةً فِي ذَلِكَ لِحُكْمِ شَرِيعَتِهِمْ جَازَ لَنَا أَنْ نَظْهَرَ عَلَيْهِمْ بِكِتَابِهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ
تَكُنِ الشَّرِيعَةُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ مُوَافِقَةً لِحُكْمِهِمْ حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
كِتَابِهِ الْقُرْآنِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا وَرَضُوا بِحُكْمِنَا وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ
وَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) الْعَنْكَبُوتِ 51
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا في صوماتهم وَسَائِرِ مَظَالِمِهِمْ
وَأَحْكَامِهِمْ هَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَرْضًا وَاجِبًا أَمْ نَحْنُ فِيهِ مُخَيَّرُونَ
فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ إِنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ يُخَيَّرُ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ
إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ
وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ لم ينسخها شيء قوله تعالى (فان جاؤوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الْمَائِدَةِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن بن عباس من حديث بن إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ
عن بن عباس في قوله تعالى (فان جاؤوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الْآيَةَ
الْمَائِدَةِ 42
قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنَى قُرَيْظَةَ وَهِيَ مُحْكَمَةٌ
وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ
اعرض عنهم) الْمَائِدَةِ 42
قَالَ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ لَمْ يشا لم يحكم
وروى عيسى عن بن الْقَاسِمِ قَالَ إِنْ تَحَاكَمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إِلَى حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَرَضِيَ
الْخَصْمَانِ بِهِ جَمِيعًا فَلَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِرِضًى مِنْ أَسَاقِفَتِهِمْ فَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَسَاقِفَتُهُمْ
فَلَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ وَكَذَلِكَ إِنْ رَضِيَ الْأَسَاقِفَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْخَصْمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْكُمْ
بَيْنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَدَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي
حُقُوقِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ إِلَى أَهْلِ دِينِهِمْ إِلَّا أَنْ يَأْتُوا رَاغِبِينَ فَيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُنَا
بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ان الله يحب المقسطين)
الْمَائِدَةِ 42
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَقِمِ الْحَدَّ عَلَى
الْمُسْلِمِ وَرُدَّ النَّصْرَانِيَّةَ إِلَى أَهْلِ دِينِهَا
وَقَالَ آخَرُونَ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ
وَزَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ولا تتبع اهواءهم) الْمَائِدَةِ
49 نَاسِخٌ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَالْحَكَمِ عن مجاهد عن بن
عَبَّاسٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ
عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460
وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّدِّيُّ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَإِنْ
جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ لَمْ يَحْكُمْ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بَلْ يَحْكُمُ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا شَكَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَأَبَى صَاحِبُهُ
مِنَ التَّحَاكُمِ إِلَيْنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحْكُمُ لِأَنَّهُ مِنَ التَّظَالُمِ الَّذِي لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ
بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَرْضَيَا جَمِيعًا بِحُكْمِهِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الذِّمِّيِّ يَسْرِقُ الذِّمِّيَّةَ وَيُرْفَعُ إِلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ
أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِالْقَطْعِ لِلسَّارِقِ مِنْهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْحِرَابَةِ وَالْفَسَادِ فَلَا
يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى التَّلَصُّصِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْمُعَاهِدِينَ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ
الاسلام إِذَا جَاءَهُ فِي حَدِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وهم
صاغرون) التَّوْبَةِ 29
وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لا يحدون اذا جاؤوا إِلَيْنَا فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى
وَيَرُدُّهُمُ الْحَاكِمُ إِلَى أَهْلِ دِينِهِمْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَا كَانُوا يَدِينُونَ بِهِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِإِبْطَالِهِ إِذَا لم يرتفعوا الينا ولا
يكفوا عن ما اسْتَحَلُّوا مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ
قَالَ وَإِنْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ - عِنْدِي - أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا
بِمَا قَامَ بِهِ الدَّلِيلُ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ
(وان احكم بينهم بما انزل الله) الْمَائِدَةِ 49 دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وجل
(فان جاؤوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الْآيَةَ الْمَائِدَةِ 42 لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مَعْنَاهَا ان تكون
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِنْ حَكَمْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ فَتَكُونُ الْآيَتَانِ مُحْكَمَتَيْنِ
مُسْتَعْمَلَتَيْنِ غَيْرَ مُتَدَافِعَتَيْنِ
نَقِفُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ لَا
تَنَازُعَ فِيهِ أَوْ لِسُنَّةٍ لَا مَدْفَعَ لَهَا أَوْ يَكُونُ التَّدَافُعُ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرَ مُمْكِنٍ فِيهِمَا
اسْتِعْمَالُهُمَا وَلَا اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا أَنْ لَا يَدْفَعَ الْأُخْرَى فَيَعْلَمُ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لَهَا وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقُ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ ايضا في اليهوديين مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا زَنَيَا هَلْ يُحَدَّانِ إِذَا رَفَعَهُمَا
حُكَّامُهُمْ إِلَيْنَا أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا زَنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَلَا يَعْرِضُ لَهُمُ الْإِمَامُ إِلَّا أَنْ يُظْهِرُوا
ذَلِكَ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فَيُدْخِلُوا عَلَيْهِمُ الضرر فيمنعهم السلطان من الاضرار
بالمسلمين
قال مالك وَإِنَّمَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْيَهُودِ
يَوْمَئِذٍ - ذِمَّةٌ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُحَدَّانِ إِذَا زَنَيَا كَحَدِّ الْمُسْلِمِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا فَلَنَا أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ
فَإِنْ حَكَمْنَا حَدَدْنَا الْمُحْصَنَ بِالرَّجْمِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ
يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَغَرَّبْنَاهُ عَامًا
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَا خِيَارَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْحَاكِمِ إِذَا جَاءَهُ فِي حَدِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ) التَّوْبَةِ 29 وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ
وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ حِينَ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّمَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْيَهُودِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ
قَالَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَقَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَإِذَا كَانَ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ قَدْ حَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الزنى فَمَنْ لَهُ
ذِمَّةٌ أَحْرَى بِذَلِكَ
قَالَ وَلَمْ يختلفوا ان الذي يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي حَدِّ الْإِحْصَانِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ رَأَى آيَةَ التَّخْيِيرِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْسُوخَةً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله) الْمَائِدَةِ 49 قَالُوا عَلَى الْإِمَامِ إِذَا عَلِمَ مِنْ أَهْلِ
الذِّمَّةِ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ (وَأَنِ احْكُمْ بينهم بما انزل الله) الْمَائِدَةِ 49 وَلَمْ يَقُلْ إِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ
قَالُوا وَالسُّنَّةُ تُبَيِّنُ ذَلِكَ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي (التَّمْهِيدِ) وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ
مَا ذَكَرُوا وَلَا يُثْبِتُ ما ادعوا
قال وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْيَهُودَ تَحَاكَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ فِيهِ ان اليهود جاؤوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْتُوا إِلَّا مُتَحَاكِمِينَ إِلَيْهِ رَاضِينَ بِحُكْمِهِ وَهُمْ كَانُوا الَّذِينَ إِلَيْهِمْ
إِقَامَةُ الْحُدُودِ عِنْدَهُمْ ودعوه إلى الحكم بينهم وجاؤوه بِالتَّوْرَاةِ إِذْ دَعَاهُمْ إِلَيْهَا
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ايضا حديث ابي هريرة من رواية بن شِهَابٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ
مُزَيْنَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِطُولِهِ مِنْ طُرُقٍ فِي
(التَّمْهِيدِ)
وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَتْ
يَهُودُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ زَنَيَا فَقَالَ (ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ) فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَا
فَنَشَدَهُمَا كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ قَالَا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ
رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا
قَالَ فَمَا مَنْعَكُمَا أَنْ تَرْجُمَاهُمَا
قَالَ ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّهُودِ فَجَاءَ
أَرْبَعَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِمَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلِذَلِكَ
تَحَاكَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله اعلم
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463
وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً
انْفَرَدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السَّائِغُ قَالَ حَدَّثَنِي سُنَيْدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنِ الْعَوَّامِ
بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَإِنْ حَكَمْتَ بَيْنَهُمْ فَاحْكُمْ بِالْقِسْطِ يَعْنِي بِالرَّجْمِ