مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ
بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعترف على نفسه بالزنى وَلَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ
فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ
بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعترف على نفسه بالزنى وَلَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ
فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّجْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ الْعَسِيفَ
وَغَرَّبَهُ عَامًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حَدِيثَ نَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِكْرُ جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا حديث بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ
وَالتَّغْرِيبُ النَّفْيُ وَذَكَرْنَا مَا لِلْفُقَهَاءِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي نَفْيِ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ
وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْآثَارَ الْمَرْفُوعَةَ وَغَيْرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَمْ يَرَوْا عَلَى
الزَّانِي الْبِكْرَ غَيْرَ الْجَلْدِ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَغْرِيبِ الرَّجُلِ الْحُرِّ إِذَا زَنَى وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ
سِجْنَهُ التَّغْرِيبَ وَالْأَكْثَرُ يَنْفُونَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَيَسْجُنُونَهُ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُغَرِّبُونَهُ بِهِ
وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ
إِذَا زَنَوْا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ وَلَا عَلَى النِّسَاءِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُنْفَى الزُّنَاةُ الرِّجَالُ كُلُّهُمْ عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا وَلَا يُنْفَى النِّسَاءُ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُنْفَى الزُّنَاةُ كُلُّهُمْ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
فَمَرَّةً قَالَ يُنْفَى الزُّنَاةُ كُلُّهُمْ إِذَا جُلِدُوا عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا
سَنَةً بِسَنَةٍ إِلَى غَيْرِ بِلَادِهِمْ
وَمَرَّةً قَالَ يُنْفَى الْعَبْدُ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ نِصْفَ سَنَةٍ
وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ
وَمَرَّةً قَالَ اسْتَخِيرُوا اللَّهَ فِي نَفْيِ الْعَبِيدِ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي هَارُونُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفَى رَجُلًا وَامْرَأَةً حَوْلًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَفَى إِلَى خَيْبَرَ وَعَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ نَفَى إِلَى خَيْبَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَفَى إِلَى الْبَصْرَةِ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ نَفَى إِلَى خَيْبَرَ
وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ مِنْ أَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّفْيُ قَالَ مِنْ عَمَلِهِ إِلَى عَمَلِ غَيْرِهِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بالزنى ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ إِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقَامُ
عَلَيْهِ الْحَدُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ
تَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى
اعْتِرَافِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُ الْمُقِرِّ
بالزنى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ إِذَا أَقَرَّ بِهَا السَّارِقُ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ وَحِرْزِهِ
فَأَكْذَبَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَدَّعِ السَّرِقَةَ ثُمَّ رَجَعَ السَّارِقُ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ إِقْرَارُهُ عِنْدَ
مَالِكٍ وَمَنْ ذكرنا معه
وقال بن أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ في الزنى وَلَا فِي السَّرِقَةِ وَلَا فِي
الْخَمْرِ
وَقَالَ الاوزاعي في رجل اقر على نفسه بالزنى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَدِمَ
وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَتَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ وَإِنِ اعْتَرَفَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 502
بِسَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ قَتْلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ عَاقَبَهُ السُّلْطَانُ دُونَ الْحَدِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى النظر
واختلف قول مالك في المقر بالزنى أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَرْجِعُ تَحْتَ
الْجَلْدِ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ الْحَدُّ فَمَرَّةً قَالَ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَدِّ أَتَمَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ رُجُوعَهُ نَدَمٌ
مِنْهُ وَمَرَّةً قَالَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ أَبَدًا وَلَا يُضْرَبُ بَعْدَ رُجُوعِهِ ويرفع عنه
وهو قول بن الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مُحَالٌ أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ بِغَيْرِ إِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ وَلَا فَرْقَ فِي قِيَاسٍ
وَلَا نَظَرٍ بَيْنَ رُجُوعِهِ قَبْلَ الْحَدِّ وَفِي أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ وَدِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا هُوَ مُحَرَّمٌ
فَلَا يُسْتَبَاحُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِيَقِينٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ
وَحَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا رُجِمَ وَمَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ لَهُمْ
رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُ رَجْمًا وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ)
فهي هَذَا أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْحُدُودِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إِذَا رَجَعَ لِأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ هُرُوبَهُ وَقَوْلَهُ رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رُجُوعًا وَقَالَ (فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ)
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ إِذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ وَأُقِيمَ بَعْضُهُ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ
أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ رُجُوعِ
الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ وَالرُّجُوعُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ