مَالِكٌ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَوْصَى أَنْ
يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ
مِنْ بَعْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَقْتُولَ (...)
 
مَالِكٌ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَوْصَى أَنْ
يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ
مِنْ بَعْدِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ دَمِهِ الْعَمْدِ وَإِنْ قُتِلَ
خَطَأً جَازَ لَهُ الْعَفْوُ عَنِ الدِّيَةِ فِي ثُلُثِهِ إِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثَ وَإِلَّا فَمَا حَمَلَ مِنْهَا الثُّلُثَ وَأَنَّ
دِيَتَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ يُورَثُ عَنْهُ وَأَنَّ الْمَقْتُولَ عَمْدًا أولى بدمه من أوليائه ما دام حَيًّا فِي
الْعَفْوِ عَنْهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ)
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ وَيَجُوزَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَوَرَثَتِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ بِالْعِرَاقِ عَفْوُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّهِ فَلَهُ الْعَفُوُّ
وَالْقِصَاصُ إِنْ شَاءَ أَوِ الدِّيَةُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَوْتِهِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ
عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ فَيَعْفُو عَنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ
وَذَلِكَ لِأَوْلِيَائِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي
الْعِرَاقِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَقُومُ إِلَّا بِمَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْلَا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178
اسْتِحْقَاقُ الْمَقْتُولِ بِدَمِ نَفْسِهِ مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْقِيَامُ فِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) الْمَائِدَةِ 45
وَلَمْ يختلف العلماء أن المتصدق ها هنا هُوَ الْمَقْتُولُ يَتَصَدَّقُ بِدَمِهِ عَلَى قَاتِلِهِ أَيْ يَعْفُو
عَنْهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ (كَفَّارَةٌ لَهُ) الْمَائِدَةِ 45 فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَفَّارَةٌ
لِلْمَقْتُولِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَفَّارَةٌ لِلْقَاتِلِ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَنِ اسْتُقِيدَ مِنْهُ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَهُوَ كَفَّارَةٌ له
وروى بن عُيَيْنَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ
تَصَدَّقَ بِدَمٍ أَوْ دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايِعُونِي فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ قَالَ فمن
عفى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ومن
أصابه من ذلك شيئا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ
شَاءَ غَفَرَ لَهُ
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْعَفْوُ كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ وَالْمَجْرُوحِ
قَالَ سُفْيَانُ كَانَ يُقَالُ إِنْ قُتِلَ فَهِيَ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أَعْطَى الدِّيَةَ فَهِيَ تَوْبَتُهُ وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ
فَهِيَ تَوْبَتُهُ فِي الرَّجُلِ عَمْدًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُجَاهِدٍ وَفِرْقَةٍ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عن بن عباس والأشهر عنه وعن زيد وبن عُمَرَ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنِ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بَقِيٌّ قَالَ حَدَّثَنِي
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179
أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ
الثَّقَفِيَّ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَمَاتَ فعفى عَنْهُ فَرُفِعَ
ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ عَفْوَهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ
كَصَاحِبِ يَاسِينَ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ فِي الَّذِي يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا ثُمَّ يَعْفُو قَبْلَ
أَنْ يَمُوتَ قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ
وَمَعْمَرٌ وبن جريج عن بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدَمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ
قُلْتُ فِي الثُّلُثِ قَالَ بل في ماله كله
ورواه بن عُيَيْنَةَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ طَاوُسٍ مَا كَانَ أَبُوكَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِدَمِهِ
عَلَى قَاتِلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ كَانَ يَقُولُ هُوَ جَائِزٌ قُلْتُ خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا قَالَ خَطَأً كَانَ
أَوْ عَمْدًا
قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي العفو عن الجراحات وما يؤول إِلَيْهِ إِذَا مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهَا
فَقَالَ مَالِكٌ إذا عفى عَنِ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ كَانَ لِأَوْلِيَائِهِ الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ
عَنِ الْجِرَاحَةِ وما تؤول إِلَيْهِ أَوْ قَالَ إِنْ مِتُّ مِنْهَا فَقَدْ عَفَوْتُ
صَحَّ عَفْوُهُ وَلَمْ يُتْبَعِ الْجَانِي بِشَيْءٍ
وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا عَفَا عَنِ الْجِرَاحَةِ وَمَاتَ فَلَا حَقَّ له والعفو على الجراحة
عفو لما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهَا
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا عَفَا عَنِ الْجِرَاحَةِ وَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ وَيُؤْخَذُ بِمَا فَضَلَ من الدية
وهو أحد قولي الشافعي كان الْجِرَاحَةَ كَانَتْ مُوضِحَةً فَسَقَطَ بِعَفْوِهِ عَنْهَا نِصْفُ عُشْرِ
الدِّيَةِ وَالْآخَرُ عَفْوُهُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ إِلَى الْوَلِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَقَالَ أبو حنيفة من قطعت يده فعفى ثُمَّ مَاتَ بَطَلَ الْعَفْوُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ إِذَا قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْجِرَاحَةِ وَعَنْ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا مَنْ عَقْلٍ
وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوَدِ وَيُنْظَرُ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَقَالَ فِيهَا قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ عَفْوَهُ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَيُؤْخَذُ بِالْبَاقِي مِنَ الدية
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا صارت نفسا وهذا قائل لَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ
بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ لَهُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى
الْقَاتِلِ عَقْلٌ يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا
دِيَةَ عِنْدَهُمْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِلَّا بِاشْتِرَاطِهَا وَالصُّلْحِ عَلَيْهَا
وَمِثْلُ هذا رواية بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ فَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ
وَلِيَّ الْمَقْتُولِ بَيْنَ خيرتين لم تُوجَبْ لَهُ الدِّيَةُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ لَهَا وَاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهَا
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ مَنْ عَفَا فَلَهُ الدِّيَةُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ عَفَوْتُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ قَبْلَهُ
وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَدْ أَوْجَبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ إِذَا
عَفَا الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ
إليه بإحسن) الْبَقَرَةِ 178 وَلَوْ كَانَ لِلْعَاقِلِ إِذَا عَفَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مَا
يُتْبِعُهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ مَا يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ
قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا إِذَا عُفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ أَنَّ عَلَى مَنْ عُفِيَ عَنْهُ جَلْدًا وَلَا عُقُوبَةً
قَالَ عَطَاءٌ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مَرْيَمَ 64
وقاله عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يُعْرَفُ بِالشَّرِّ
فَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَرْدَعُهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ ضَرَبَ حُرًّا قَتَلَ عَبْدًا
مِائَةً ونفاه عاما
وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل عمدا ويعفا عنه
يسجن سنة ويضرب مائة
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181
قال بن جريج وقال بن شِهَابٍ لَا قَوَدَ بَيْنَ الْحُرِّ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَلَكِنَّ الْعُقُوبَةَ وَالنَّكَالَ
بِالْجَلْدِ الْوَجِيعِ وَالسَّجْنِ وَغُرْمِ مَا أَصَابَ وَيُعْتِقُ رَقَبَةً وَيُغَرَّبُ سَنَةً
وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَقَامَتْ عَلَى ذلك البينة وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَعَفَا
الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ
الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَكَرَ بن وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ عَفْوُ
الْعَصَبَةِ عَنِ الدَّمِ وَيَبْطُلُ حَقُّ الْبَنَاتِ
قَالَ وَلَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ وَلَا قَسَامَةَ لَهُنَّ يَعْنِي فِي الْعَمْدِ
قَالَ وهو قول مالك
وذكر بن الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْبَنَاتِ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْقِصَاصِ شَيْءٌ إِنَّمَا هُوَ
لِلرِّجَالِ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَيَجُوزُ عَفْوُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا يَجُوزُ عَفْوُ النِّسَاءِ عَلَى
الرِّجَالِ
قَالَ ملك وليس للأخوة من الأم عفو عن الْقِصَاصِ قَالَ فَإِنْ عَفَا الرَّجُلُ عَلَى أَنْ
يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَالدِّيَةُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَفْوَ النِّسَاءِ جَائِزٌ
وَالْأَوَّلُ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِكُلِّ
وَارِثٍ نَصِيبُهُ مِنَ الْقِصَاصِ وَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ فِي إِبْطَالِ
حَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ سواء
وقال بن أَبِي لَيْلَى الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَارِثٍ إِلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْعَقْلَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ كَانَ كُلُّ وَارِثٍ
وَلِيًّا فِي ذَلِكَ زَوْجَةً كَانَتْ أَوِ ابْنَةً أَوْ أُخْتًا وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنْ وِلَايَةِ الدَّمِ وَلَا
يُقْتَلُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَحَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ مِنْهُمْ وَيَبْلُغَ الطِّفْلُ وَأَيُّهُمْ عفا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182
عَنِ الْقِصَاصِ كَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَانَ الْبَاقُونَ عَلَى
حِصَصِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْ رَجُلٍ أَوِ
امْرَأَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ امْرَأَةً فَعَفَا
زَوْجُهَا عَنِ الْقَاتِلِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقِصَاصِ وَلِمَنْ سِوَى الْعَافِي مِنَ الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنَ
الدِّيَةِ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ عَفَا مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ عَنِ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ إِلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ
وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً
وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ مَالِكٍ خِلَافَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى
عَنْهُ
حَكَى الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَتِيلِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ
عَلَى قَاتِلِهِ هَلْ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي يَرِثْنَهُ عَفْوٌ إِنْ أَرَادَ الرِّجَالُ قَتْلَهُ قَالَ الْأَخْذُ بِالْقَوَدِ وَالْعَفْوِ
إِلَى أَوْلِيَائِهِ مِنَ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَجُلًا وجد مع امرأته
رجلا فقتلهما أو قتلها فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فَعَفَا بَعْضُ
إِخْوَةِ الْمَرْأَةِ فَأَعْطَى عمر لمن يَعْفُ مِنْهُمُ الدِّيَةَ