قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي
الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَنْ لَهُ (...)
 
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي
الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَنْ لَهُ الْعَفْوُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ
وَأَمَّا مَنْ لَهُ الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَكُلَّ مَنْ رَأَى أَنَّ
الْقَسَامَةَ لَا يُقَادُ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ وَارِثٍ لِلْمَقْتُولِ يُقْسِمُ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ وَيَرِثُونَ
الدِّيَةَ
وَمَنْ لَا يَرَى أَنْ يُقْسِمَ الْأَوْلِيَاءُ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَيَغَرَمُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ
الْكُوفِيِّينَ وَخِلَافُهُمْ أَبْعَدُ
وَيَحْيَى عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِي قِيَاسَةٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا أَنَّهُ إِذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيهِ فَقَالُوا نَحْنُ
نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَرَادَ النِّسَاءُ أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُنَّ الْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي أَوْلَى
بِذَلِكَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الدَّمَ وَحَلَفُوا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَفْوِ وَبِالَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا أَنَّ
سَائِرَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ وَارِثٍ لَهُ الْعَفْوُ وَهُوَ وَلِيُّ الدَّمِ
وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ أَنَّ الْعَقْلَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْعَصَبَةِ دُونَ مَنْ كَانَ مِنَ الْوَرَثَةِ كَانُوا أَوْلَى
بِالدَّمِ وَبِالْعَفْوِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا وَقَضَى بِهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَلَيْسَ مِنْ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211
عَاقِلَتِهِ فَالْقِيَاسُ عَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْعَقْلُ لَازِمًا لَهُ كَانَ وَلِيًّا لِلدَّمِ وَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ دُونَ
مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا دِيَةٌ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهَا كَانَ وَلِيًّا لَهَا وَجَازَ لَهُ
الْعَفْوُ عَنْهُ وَعَنْ نَصِيبِهِ مِنْهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّ عَفَتِ الْعَصَبَةُ أَوِ الْمَوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا
نَدْعُ قَاتِلَ صَاحِبِنَا فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إِذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَكُمْ في
القصاص حيوة) الْبَقَرَةِ 179
وَفِيهِ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالتَّشْدِيدِ مَا فِيهِ فَكَانَ الْقَائِمُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنْ عُفِيَ عَنْهُ
وَاللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَعْلَمُ
وَحُجَّةُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقَوَدِ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتَصَّ وَإِنْ
شَاءَ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ دِيَةٍ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا بَابًا وَأَوْضَحْنَا فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ 178 وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْمُدَّعِينَ إِلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمَا
حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدِ اسْتَحَقَّا الدَّمَ
وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ لِأَخِي الْمَقْتُولِ عبد
الرحمن بن سهل ولا بني عَمِّهِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْأَخِ
وَحْدَهُ تَحْلِفُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَخَ يَحْجُبُ ابْنَيْ عَمِّهِ عَنْ مِيرَاثِ أَخِيهِ
وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَحْلِفُ إِلَّا الْوَرَثَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ
وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَحُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ
وَأَمَّا الكوفيين فَلَا يَحْلِفُ عِنْدَهُمُ الْمُدَّعُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ بِمَا لَا مَعْنَى لِتَكْرَارِهِ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا ضَرَبَ النَّفَرُ الرَّجُلَ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا فَإِنْ هُوَ
مَاتَ بَعْدَ ضَرْبِهِمْ كَانَتِ الْقَسَامَةُ وَإِذَا كَانَتِ الْقَسَامَةُ لَمْ تَكُنْ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ
يُقْتَلْ غَيْرُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً كَانَتْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ لَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ
وَهُوَ يَرَى الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ كَمَا يَرَى مَالِكٌ
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْعَمْدِ وَيَقْتُلُونَ بِالْقَسَامَةِ كَمَا يَقْتُلُونَ
بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ
قَالَ الْمُغِيرَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ
وَلِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَلَا قَوَدَ عِنْدَهُمْ فِي الْقَسَامَةِ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ وَيُقْسَمُ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ وَتُسْتَحَقُّ الدِّيَةُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَالِهِ فِي
الْعَمْدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ
وَأَمَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَحْلِفُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَيَغْرَمُونَ وَقَالُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ إِنَّهُمْ
إِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فَرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ
لَمْ يَقُولُوا مَاتَ مِنْهَا
وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً
وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ قَاتِلًا لَهُ حَتَّى يَقُولُوا إِنَّهُ إِذْ ضَرَبَهُ نَهَرَ دَمَهُ وَرَأَيْنَا
دَمَهُ سَائِلًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قُاتِلًا وَلَا جَارِحًا
وَلَا يُكَلِّفُ الشَّافِعِيُّ وَلَا الْكُوفِيُّونَ الشُّهُودَ أَنْ يَقُولُوا مَاتَ مِنْهَا
وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ مَا شَرَطُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ
عَنْهُمْ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ يَقُولَانِ إِذَا شَهِدَ وَلِيٌّ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَبَقِيَ بَعْدَ الضَّرْبِ مَغْمُورًا لَمْ يَأْكُلْ
وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَفِقْ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَعَاشَ ثُمَّ مَاتَ
فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَيَحْلِفُ الْمُقْسِمُونَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213