مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
قَالَتْ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ
(قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ)
هَكَذَا ذَكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
قَالَتْ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ
(قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ)
هَكَذَا ذَكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ يَخْتَلِفِ
الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
وَقَدْ جَوَّدَهُ مَالِكٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
وَفِيهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُ بِلَالٍ وَقَوْلُ عَامِرِ بْنِ فهيرة وزاد بن عيينة وبن إِسْحَاقَ
فِي رَجَزِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ
(الثَّوْرُ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ)
وَذَكَرُوا أَنَّ الدَّاخِلَ عَلَيْهِمْ وَالسَّائِلَ لَهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْقَائِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَيْفَ
تَجِدُكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَائِشَةُ
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ
تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاهَا وَبِلَالًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فِي بَيْتٍ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا
بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ كَيْفَ تَجِدُكَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إِلَّا مَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ عَامِرِ بْنِ
فُهَيْرَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحَادِيثَهُمْ بِأَسَانِيدِهَا وَسِيَاقَةِ مُتُونِهَا فِي التَّمْهِيدِ وَذَكَرْنَا بِلَالًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ
بِمَا يَجِبُ وَيَنْبَغِي مِنْ ذِكْرِهِمَا فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِذْخِرٌ وَجَلِيلٌ فَهُمَا نَبْتَانِ مِنَ الَكَلَأِ يَكُونَانِ بِمَكَّةَ وَأَوْدِيَتِهَا لَا يَكَادَا يُوجَدَانِ
بِغَيْرِهَا
وَشَامَةُ وَطَفِيلٌ
جَبَلَانِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ نحو ثلاثين ميلا
وقال بن عيينة وبن إِسْحَاقَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ بَيْتَيْ بِلَالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
(أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ)
بِفَخٍّ مَكَانٌ بِوَادٍ
وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخْبَارُ مَكَّةَ فَخٌّ الْوَادِي الَّذِي بِأَصْلِ الثَّنِيَّةِ الْبَيْضَاءِ إِلَى بَلْدَحٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ قُرْبَ ذِي طُوَى وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ وَادِي عِرْفَانَ
وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَهُوَ الَّذِي عَنَى الشَّاعِرُ النُّمَيْرِيُّ في قوله
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238
(مَرَرْنَ بِفَخٍّ رَائِحَاتٍ عَشِيَّةً ... يُلَبِّينَ لِلرَّحْمَنِ مُعْتَمِرَاتٍ) وَقَالَ آخَرُ
(مَاذَا بِفَخٍّ مِنَ الْإِشْرَاقِ وَالطِّيبِ ... ومن حوار تقيات رعابيب)
وقال بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِهِ وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى خُمٍّ أَوِ
الْجُحْفَةِ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَخُمٌّ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ وَفِيهِ غَدِيرٌ يُقَالُ لَهُ غَدِيرُ خُمٍّ
وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِيٍّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مولاه
وقال بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ وانقل حماها إلى مهيعة
ومهيعة في الْجُحْفَةُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ حَتَّى الْآنَ مِنْ تَنْكِيرِ الْبُلْدَانِ عَلَى مَنْ لَمْ
يَعْرِفْ هَوَاءَ الْبَلَدِ وَلَمْ يَشْرَبْ قَبْلُ مِنْ مَائِهِ
وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ
حَدَّثَنِي الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي شَبَابَةُ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثمارها فاجتويناها وأصابنا
بِهَا وَعَكٌّ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَيَّزُ عَنْ بَدْرٍ وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ
وَفِيهِ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ حَنِينِهِمْ إِلَى أَوْطَانِهِمْ وَتَلَهُّفِهِمْ عَلَى فِرَاقِ بُلْدَانِهِمُ
الَّتِي كَانَ مَوْلِدَهُمْ بِهَا وَمَنْشَأَهُمْ فِيهَا
قَالَ بن مَيَّادَةَ وَاسْمُهُ الرَّمَّاحُ
(أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِحَرَّةِ لَيْلَى حَيْثُ رَبَّتْنِي أَهْلِي)
(بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي ... وَقُطِّعْنَ عَنِّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي) وَقَدْ يُرْوَى
(هَلْ أَبَيْتَنَّ لَيْلَةً بِوَادِي الْخَزَامَا ... حَيْثُ رَبَّتْنِي أَهْلِي
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239
وَقَالْ آخَرُ
(أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ مَا بَيْنَ مَنِيحٍ ... إِلَيَّ وَسَلْمَى أَنْ تَصُوبَ سَحَابُهَا)
(بِلَادٌ بِهَا حَلَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي ... وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابَهَا) وَفِيهِ عِيَادَةُ الْجِلَّةِ
الْأَشْرَافِ السَّادَةِ لعبيدهم ومواليهم وإخواهم وَذَلِكَ تَوَاضُعٌ مِنْهُمْ وَكَانَ بِلَالٌ وَعَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ عَبْدَيْنِ لِأَبِي بَكْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَعْتَقَهُمَا
وَفِيهِ تَمَثُّلُ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ بِالشِّعْرِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِنْشَادِ
الشِّعْرِ الرقيق الذي ليس خنى فيه ولا فحش
وفيه رفع العيقرة بِالشِّعْرِ وَرَفْعُ الْعَقِيرَةِ هُوَ الْغِنَاءُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ غِنَاءَ الرُّكْبَانِ وَغِنَاءَ
النَّصَبِ وَالْحِدَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذلك
والعقيرة صوت الإنشاد
قاله صاحب العين
روى بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ رَافِعًا عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا كَانَ أَخْشَى لِلَّهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَرْقَمِ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
نعم زاد الراكب الغناء نصبا
وروى بن وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِمَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْغِنَاءُ مِنْ زَادِ الْمُسَافِرِ أو قال من
زاد الراكب
وروى بن شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى يَتَغَنَّى النَّصَبَ
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي رُؤْبَةُ بْنُ العجاج عن أبيه قَالَ أَنْشَدْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ
(طَافَ الْخَيَالَانِ فَهَاجَا تَغَنِّيًا ... خَيَالُ خَيَالٍ تَكَنَّى تَكَتَّمَا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240
(قَامَتْ تُرِيكَ خَشْيَةَ أَنْ تَصْرِمَا ... سَاقًا بَخَنْدَاةً وَكَعْبًا أَضْرَمَا)
(وَكَفَلًا مِثْلَ النَّقَا أَوْ أَعْظَمَا)
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ كُنَّا نُنْشِدُ مِثْلَ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَا يُعَابُ عَلَيْنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيدَتَهُ
اللَّامِيَّةَ أَوَّلُهَا (بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... (2)) وَفِيهَا مِنَ التَّشْبِيبِ وَالْمَدْحِ
ضُرُوبٌ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ الشِّعْرَ وَيَسْتَحْسِنُ الْحَسَنَ مِنْهُ وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ زَائِرًا فَسَمِعَهُ يتغنى
(وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى ... وطرا منها جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ)
وَرُوِّينَا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ مَرَّ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ الْأَخْضَرَ الْجَدِّيَّ يَتَغَنَّى
فِي دَارِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ
(تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نُعْمَانَ إِذْ مَشَتْ ... بِهِ زَيْنَبُ فِي نِسْوَةٍ خَفِرَاتِ) فَوَقَفَ وقال هذا
والله ما يلذ استمعاعه قال سعيد
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241
(وَلَيْسَتْ كَأُخْرَى أَوْسَعَتْ جَيْبَ دِرْعِهَا ... وَأَبْدَتْ بَنَانَ الْكَفِّ بِالْجَمَرَاتِ)
(وَعَلَتْ فَتِيتَ الْمِسْكِ وَحْفًا مُرَجَّلًا ... عَلَى مِثْلِ بَدْرٍ لَاحَ فِي الظُّلُمَاتِ)
(وَقَامَتْ تُرَائِي يَوْمَ جَمْعٍ فَأَفْتَنَتْ ... بِرُؤْيَتِهَا مَنْ رَاحَ مِنْ عَرَفَاتِ)
قَالُوا فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْبَيْتُ الَّذِي سَمِعَهُ سَعِيدٌ مِنَ الْأَخْضَرِ الْجِدِّيِّ هُوَ مِنْ شِعْرِ النُّمَيْرِيِّ
يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَهُوَ ثَقَفِيٌّ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ النُّمَيْرِيُّ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ كَانَ يُشَبِّبُ بِزَيْنَبَ أُخْتِ الْحَجَّاجِ وَشِعْرُهُ هَذَا حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ
نَذْكُرُهُ ها هنا لِأَنَّهُ مِنْ مَعْنَى الْبَابِ وَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ مُجْتَمِعًا وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ مُفْتَرِقًا يَتَمَثَّلُ
مِنْهُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتِ وَقَدْ جَمَعْتُهُ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ
(تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نُعْمَانَ أَنْ مَشَتْ ... بِهِ زَيْنَبُ فِي نِسْوَةٍ خَفَرَاتِ)
(فَأَصْبَحَ مَا بَيْنَ الهويما فجذوة ... إلى الماء ماء الجدع في الْعَشَرَاتِ)
(لَهُ أَرَجٌ مِنْ مِجْمَرِ الْهِنْدِ سَاطِعٌ ... تَطْلُعُ رَيَّاهُ مِنَ الْكَفَرَاتِ)
(وَلَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَ سِرْبٍ لَقِيتُهُ ... خَرَجْنَ مِنَ التَّنْعِيمِ مُبْتَكِرَاتِ)
(تَهَادَيْنَ مَا بَيْنَ الْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَأَصْبَحْنَ لَا شَعْثَاءَ وَلَا عَطِرَاتِ)
(أَعَاذَ الَّذِي فَوْقَ السماوات عرشه ... أو أنس بِالْبَطْحَاءِ مُؤْتَجِرَاتِ)
(مَرَرْنَ بِفَخٍّ ثُمَّ رُحْنَ عَشِيَّةً ... يلبين للرحمن معتمرات)
(يخمرن أطراف البنا مِنَ النُّقَا ... وَيَخْرُجْنَ وَسْطَ اللَّيْلِ مُعْتَجِرَاتِ)
(تُقْسِمْنَ لِي يَوْمَ نُعْمَانَ أَنَّنِي ... رَأَيْتُ فُؤَادِي عَازِمَ النَّظَرَاتِ)
(جَلَوْنَ وُجُوهًا لَمْ يَلُحْهَا سَمَائِمُ ... حَرُورٍ وَلَمْ يُسْعِفْنَ بِالصَّرَّاتِ)
(فَقُلْتُ يُعَافَى الظِّبَاءُ تَنَاوَلَتْ ... تُبَاعَ غُصُونِ الْوَرْدِ مُعْتَصِرَاتِ)
(وَلَمَّا رَأَتْ رَكْبَ النُّمَيْرِيِّ أَعْرَضَتْ ... وَكُنَّ مِنْ أَنْ يَلْقَيْنَهُ حَذِرَاتِ)
(فأدنين حتى جاوز الركب دونها ... حجاجا مِنَ الْوَشْيِ وَالْحِبَرَاتِ)
(فَكِدْتُ اشْتِيَاقًا نَحْوَهَا وَصَبَابَةً ... تَقَطَّعُ نَفَسِي دُونَهَا حَسَرَاتِ)
(فَرَاجَعْتُ نَفْسِي وَالْحَفِيظَةَ بعد ما ... بَلَلْتُ رِدَاءً لِلْعَصَبِ بِالْعَبَرَاتِ)
وَأَرَادَ الْحَجَّاجُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَاسْتَجَارَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَجَارَهُ وَقَالَ لَهُ مَا كَانَ
رَكْبُكَ يَا نُمَيْرِيُّ فَقَالَ أَرْبَعَةُ أَحْمِرَةٍ عَلَيْهَا زَيْتٌ وَزَبِيبٌ فَضَحِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالْإِجَازَةِ فِي الْغِنَاءِ عَلَى أَنَّ
جُمْهُورَهُمْ يَكْرَهُونَ غِنَاءَ الْأَعَاجِمِ وَيُجِيزُونَ غِنَاءَ الْأَعْرَابِ وَأَثْبَتْنَا هُنَالِكَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا
فِيهِ كِفَايَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242