مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ الْمَخْزُومِيَّ فَرَأَى عِنْدَهُ نَبِيذًا وَهُوَ
بِطْرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَسْلَمُ إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ يُحِبُّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ الْمَخْزُومِيَّ فَرَأَى عِنْدَهُ نَبِيذًا وَهُوَ
بِطْرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَسْلَمُ إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ يُحِبُّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَيَّاشٍ قَدَحًا عَظِيمًا فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَضَعَهُ فِي يَدَيْهِ فَقَرَّبَهُ عُمَرُ
إِلَى فِيهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذَا لَشَرَابٌ طَيِّبٌ فَشَرِبَ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247
مِنْهُ
ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ نَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَأَنْتَ الْقَائِلُ
لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ
لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ
الْمَدِينَةِ قَالَ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ
وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْصَرَفَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الخبر بن بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ
وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ
وَقَدْ تَابَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ
وَأَمَّا النَّبِيذُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ طَيِّبٌ فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ
مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ مَا يُفَسِّرُ الطَّيِّبَ وَغَيْرَ الطَّيِّبِ وَكُلُّ شَرَابٍ حُلْوٍ لَا يُسْكِرُ الْكَثِيرُ مِنْهُ
فَهُوَ الطَّيِّبُ وَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ الْخَبِيثُ لَا الطَّيِّبُ
وَأَمَّا مُنَاوَلَةُ عُمَرَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فَضْلَةَ شَرَابِهِ فَهِيَ السُّنَّةُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ
مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ
عُمَرَ هَذَا فِي تَقْرِيرِهِ وَتَوْبِيخِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ عُمَرَ
الْمَدِينَةَ عَلَى مَكَّةَ
وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا وَفِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَا ظَنُّوا مِنْ ذَلِكَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَخَافَ مِنْهُ عُمَرُ أَنْ يَمْدَحَ مَكَّةَ وَيُزَيِّنَهَا لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَخَشِيَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عباس بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ دُرَّتَهُ وَسَطْوَتَهُ فَفَزِعَ إِلَى الْفَضْلِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ
عُمَرُ وَجَادَلَهُ عَمَّا أَرَادَ مِنْهُ فَقَالَ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ يَعْنِي وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ
الْمَدِينَةُ وَأَقَرَّ لَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَأَمْنِهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا
وَأَعَادَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَوْلَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ عبد الله بن عباس مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُنْكِرْهُ كَأَنَّهُ
قَالَ لَهُ لَمْ أَسْأَلْكَ عَنِ التَّفْضِيلِ وَلَا الْفَضَائِلِ وَسَكَتَ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ مِنْ فَضْلِ مَكَّةَ مَا
لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَحْتَجَّ مَعَهُ إِلَى ذَلِكَ خَيْرَاتِ الْمَدِينَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَيْرَاتِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ
حِينَئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ رُطَبِهَا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248
وَتَمْرِهَا وَحَرْثِهَا وَدُرُوبُ الْعَيْشِ فِيهَا أَغْزَرُ لِاجْتِمَاعِ الناس بها لِلْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ لِأَنَّ
الْخَيْرَ أَكْثَرُ فِي الْبِلَادِ الْكِبَارِ وَحَيْثُ الْأَئِمَّةُ وَالسُّلْطَانُ فَكَيْفَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
فَهَذَا عِنْدِي مَعْنَى خَبَرِ عمر مع عبد الله بن عباس الْمَخْزُومِيِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ خَيْرٌ لَيْسَ بِمَعْنَى أَفْضَلَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُقَيْلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
وَكَانَ أَحَدُ الْفُصَحَاءِ لَمَّا أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ عَطَاءً جَزْلًا قَالَ لَهُ مَنْ خَيْرٌ لَكَ أَنَا أَوْ أَخُوكَ
فَقَالَ لَهُ أَنْتَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَخِي وَأَخِي خَيْرٌ لِنَفْسِهِ مِنْكَ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَخَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَلَكِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ
خَيْرًا لَهُ فِي دُنْيَاهُ
وَقَدْ ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عُمَرَ فَقَالَ كَانَ أَسْوَدَ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ يَعْنِي الْخُلَفَاءَ قَالَ وَكَانُوا
أَفْضَلَ مِنْهُ
وَالدَّلِيلُ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ مَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ وَأَبُو
يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ
قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ
مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا فَضْلُهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ
وَأَمَّا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَصْحَابُهُ فِي أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ
سَائِرِ الْبِلَادِ وَكَانَ يَقُولُ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمَدِينَةَ مِنَ الْخَيْرِ أَنَّهَا مَحْفُوفَةٌ
بِالشُّهَدَاءِ وَعَلَى أَنْقَابِهَا مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ وَهِيَ دَارُ الْهِجْرَةِ
وَالسُّنَّةُ وَبِهَا كَانَ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ يَعْنِي الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ وَبِهَا أَخْيَارُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَارَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مماته فجعل بها قبره وبها أروضة مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قول عبد الله بن عباس لِعُمَرَ فِيهَا حَرَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمْنُهُ
وَفِيهَا بَيْتُهُ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ حَرَمُ إِبْرَاهِيمَ وَتَرْكُ عُمَرَ إِنْكَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ
رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ
مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249