مالك عن زيد بن أسلم عن بن بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُدُّوا الْمِسْكِينَ
فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ (...)
 
مالك عن زيد بن أسلم عن بن بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُدُّوا الْمِسْكِينَ
فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ السَّائِلَ الطَّوَّافَ
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ الطَّوَّافُ
بِالْمِسْكِينِ حَقًّا إِنَّمَا الْمِسْكِينُ حَقًّا الْمِسْكِينُ الَّذِي تَبْلُغُ بِهِ الْمَسْكَنَةُ وَالْفَقْرُ وَالضَّعْفُ
وَالْحَيَاءُ مَبْلَغًا يُقْعِدُهُ عَنِ التَّطْوَافِ وَالسُّؤَالِ وَلَا يَفْطَنُ لَهُ مُتَصَدِّقٌ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا
يَبْلُغُ بِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
الْبَقَرَةِ 177
أَيْ لَيْسَ فِعْلُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِرًّا يَبْلُغُ بِهِ الْأَمْرُ (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الأخر والملائكة والكتب والنبين وءاتى المال على حبه) البقرة 177
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ أَيْ لَيْسَ كُلُّ الْبِرِّ لِأَنَّ
الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ بِرٌّ أَيْضًا
فَقَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا الْمِسْكِينُ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رَوَاةُ الْمُوَطَّأِ
وقال غيرهم فمن المسكين وهذا أبين في من يَعْقِلُ وَأَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إنما الصدقت للفقراء والمسكين) التَّوْبَةِ 60
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ أَيْضًا فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْفَقِيرُ أَحْسَنُ
حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ قَالُوا وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يُقِيمُهُ وَيَكْفِيهِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا
شَيْءَ لَهُ
وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا يَعْقُوبُ بْنُ السكيت وبن قُتَيْبَةَ
وَهُوَ قَوْلُ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ
وَذَهَبَتْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344
وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِ الرَّاعِي
(أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وفق العيال فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ) فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ
يَدَّعِي الْفَقْرَ وَلَهُ الْحَلُوبَةُ يَوْمَئِذٍ
وَقَالَ آخَرُونَ الْمِسْكِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الله عز وجل (أما
السفينة فكانت لمسكين يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) الْكَهْفِ 79 فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمِسْكِينَ كَانَ يَمْلِكُ
سَفِينَةً أَوْ بَعْضَ سَفِينَةٍ تَعْمَلُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف
تعرفهم بسيمهم لا يسئلون النَّاسَ إِلْحَافًا) الْبَقَرَةِ 273 وَزَعَمُوا أَنَّ بَيْتَ الرَّاعِي لَا
حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِذْ صَارَ فَقِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلُوبَةٌ لِقَوْلِهِ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
وَقَالُوا الْفَقِيرُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُفْقِرُ وَيُرِيدُونَ الَّذِي نُزِعَتْ فَقْرَةٌ مِنْ ظَهْرِهِ مِنْ
شِدَّةِ الْفَقْرِ
وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ
(لَمَّا رَأَى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الْأَعْزَلِ) قِيلَ أَيْ لَمْ يُطِقِ
الطَّيَرَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ انْقَطَعَ ظَهْرُهُ وَلَصِقَ بِالْأَرْضِ
قَالُوا وَهَذَا هُوَ الشَّدِيدُ الْمَسْكَنَةِ وَالْمِسْكِينُ حَقًّا وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ
مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) الْبَلَدِ 16 أَيْ قَدْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مِسْكِينًا لَيْسَ ذَا مَتْرَبَةٍ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ وهو الذي يقضي بِصَاحِبِهِ
إِلَى الدَّقْعَاءِ وَهِيَ التُّرَابُ
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) الْبَلَدِ 16
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عبيد
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَإِنِ افْتَرَقَا
فِي الاسم
وإلى هذا ذهب بن القسم
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ داود
قال أخبرنا سحنون قال حدثني بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ بن عَوْنٍ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ
لَهُ وَلَكِنَّ الْفَقِيرَ الْأَخْلَقَ الْكَسْبَ
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ بن بُجَيْدٍ فَابْنُ بُجَيْدٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدِ
بْنِ قَيْظِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ وهو الذي رد على سهل بن حثمة حديثه في
القسامة
وقال بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّهِ مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا
مِنْهُ وَلَكِنَّهُ أَسَنُّ مِنْهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَذَكَرْنَا جَدَّتَهُ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ مِنْ
كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ أَيْضًا جَدَّةُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ والله أعلم وليس في حديث
بن نُجَيْدٍ عَنْ جَدَّتِهِ أَكْثَرُ مِنَ الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَشْرُوحًا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعِيدٌ المقبري عن بن نُجَيْدٍ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُجَيْدٍ عَنْ
جَدَّتِهِ أُمِّ نُجَيْدٍ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَأْتِينِي السَّائِلُ فَأَتَوَهَّدُ لَهُ بَعْضَ مَا عِنْدِي
فَقَالَ ضَعِي فِي يَدِ الْمِسْكِينِ وَلَوْ ظِلْفًا محرقا
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346