مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ
لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عن جاره أو بن عَمِّهِ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ
لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عن جاره أو بن عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ
عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ (أَذْهَبْتُمْ طيبتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الْأَحْقَافِ 20
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا
مَا ذَكَرَهُ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ عَلَّقَ لَحْمًا بِيَدِهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ قَرِمْنَا إِلَيْهِ قَالَ وَكُلَّمَا
اشْتَهَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا أَكَلَهُ أَلَا يَطْوِيَ بَطْنَهُ لِجَارِهِ وَضَيْفِهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ
(أذهبتم طيبتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الْأَحْقَافِ 20
قَالَ سُنَيْدٌ وَحَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ دَخَلَ
عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ عَلَى عُمَرَ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يُكْرِمُ كَعْكًا شَامِيًّا وَيَتَفَرَّقُ لَبَنُهَا فَقَالَ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِطَعَامٍ مِنْ لبن فصنع لك قال يا بن فَرْقَدٍ أَلَسْتُ أَقْدَرَ أَحْيَاءِ
الْعَرَبِ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ قَالَ عُتْبَةُ نَعَمْ مَا أَجِدُ أَقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْكَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُمُّ قَوْمًا فقال (أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا
واستمتعتم) الأحقاف 20
قال بن جُرَيْجٍ وَقَتَادَةُ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ شِئْتُ كُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَامًا وَأَلْيَنَكُمْ
لِبَاسًا وَلَكِنِّي أَسْتَبْقِي طَيِّبَاتِي
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا طَرِيقُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا كَانَتْ
رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَإِيثَارًا لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَهِيَ الْحَلَالُ وقال عز وجل)
اليوم أحل لكم الطيبت) الْمَائِدَةِ 5 وَقَالَ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لعباده
والطيبت مِنَ الرِّزْقِ) الْأَعْرَافِ 32
فَأَكْلُ اللَّحْمِ الْمُبَاحِ حَلَالٌ وَمِنَ السُّنَّةِ وَالشَّرِيعَةِ ذَبْحُ الْغَنَمِ وَنَحْرُ الْبُدْنِ وَالْأَكْلُ مِنْهَا
وَإِطْعَامُ الْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ فَأَكْلُ مَا حَلَّ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مُبَاحٌ وَأَكْلُ مَا حَرُمَ لَا يَحِلُّ
خَشِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ خَشِنٍ إِلَّا أَنَّ مَنْ يَتْرُكُ الدُّنْيَا حُبًّا فِي الْآخِرَةِ نَالَ فِي الْآخِرَةِ
أَعْلَى دَرَجَةٍ وَمَا التَّوْفِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظاهرة الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النار أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا) الْأَحْقَافِ 20
وَلَكِنَّ فِعْلَ عُمَرَ وَقَوْلَهُ فِعْلُ أَهْلِ الزُّهْدِ وَقَوْلُهُمْ
رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ جَرِيرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ فَآتَاهُمْ بِجَفْنَةٍ قَدْ صُنِعَتْ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ وَقَالَ لهم كلوا فأكلا أَكْلًا
ضَعِيفًا فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ قَدْ أَرَى أَكْلَكُمْ إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ الْحُلْوَ وَالْحَامِضَ وَالْحَارَّ وَالْبَارِدَ كُلُّ
ذَلِكَ قَذْفًا فِي الْبُطُونِ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَدِمَ نَاسٌ
مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى عُمَرَ فَرَآهُمْ يَأْكُلُونَ أَكْلًا ضَعِيفًا فَقَالَ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ لَوْ شِئْتُ
أَنْ يُدْهَنَ لَكُمْ لَفَعَلْتُ لَكِنَّا نَسْتَبْقِي مِنْ دُنْيَانَا مَا نَجِدُهُ فِي آخِرَتِنَا أَمَا سمعتم الله تعالى
يقول (أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم) الأحقاف 20
ذكره أبو بكر وغيره عن بن عيينة
وروى بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
سَعْدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا نَفِي بِلَذَّاتِ
الدُّنْيَا أَنْ نَأْمُرَ بِصِغَارِ الْمَاعِزِ فَتُسْمَتُ لَنَا وَنَأْمُرُ بِلُبَابِ الْحِنْطَةِ فَيُخْبَزُ لَنَا وَنَأْمُرُ
بِالزَّبِيبِ فَيُنْبَذُ لَنَا فِي الْأَسْقِيَةِ حَتَّى إِذَا صَارَ مِثْلَ عَيْنِ الْيَعْقُوبِ أَكَلْنَا هَذَا وَشَرِبْنَا هَذَا
وَلَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْتَبْقِيَ طَيِّبَاتِنَا لِأَنَّا سمعنا الله يقول لقوم (أذهبتم طيبتكم فِي حَيَاتِكُمُ
الدُّنْيَا) الْأَحْقَافِ 20
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ أَبِي
حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ مِنْ أَلْيَنِكُمْ طَعَامًا
وَأَرَقِكُمْ عَيْشًا إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجْهَلُ كَذَا أَوْ كَذَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّرَ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391
قوما بأمر فعلوه فقال (أذهبتم طيبتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الْأَحْقَافِ 20
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الْآيَةِ الْجَزَاءُ بِعَذَابِ الْهُونِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ لَا عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ
وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَرْفَعِ الْأَعْمَالِ إِذَا كَانَ عَلَى عِلْمٍ
وَسُنَّةٍ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
وَقَدْ ذَكَرَ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي فَضَائِلِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ كَانَ لِمَالِكٍ فِي لَحْمِهِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَانِ وَكَانَ يَأْمُرُ طَبَّاخَهُ
كُلَّ جُمُعَةٍ يَعْمَلُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ طَعَامًا كَثِيرًا قَالَ وَكَانَ لَهُ طَبَّاخٌ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ
قَالَ وَحَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ لَمْ يَجِدْ دِرْهَمَيْنِ
يَبْتَاعُ بِهِمَا لَحْمًا كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا أَنْ يَبِيعَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ (مَتَاعِهِ) لَفَعَلَ
قَالَ وَكَانَتْ تِلْكَ وَصْفَتُهُ فِي لَحْمِهِ