مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ انْزِعُوهَا وَمَا (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ انْزِعُوهَا وَمَا حَوْلَهَا
فَاطْرَحُوهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا فِي الْفَأْرَةِ أَنَّهَا مَاتَتْ وَهُوَ مَحْفُوظٌ فِيهِ
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ
وَفِي قَوْلِهِ أَلْقُوهَا دَلِيلٌ عَلَى مَوْتِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ اضْطَرَبَ مَالِكٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي غَيْرِهِ فَرَوَاهُ
عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى صَاحِبُنَا عن مالك عن بن
شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ أيضا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكروا ميمونة
ورواه بن بكير وأبو مصعب عن مالك عن بن شهاب عن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يذكروا بن عَبَّاسٍ وَلَا مَيْمُونَةَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ كل من تابع يحيى على ما ذَكَرْنَا وَمَنْ تَابَعَ الْقَعْنَبِيَّ عَلَى مَا
ذَكَرْنَا وَسَمَّيْنَاهُمْ هُنَالِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وجويرية عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عَبَّاسٍ
أَنَّ مَيْمُونُةَ اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ
وقد اختلف في إسناده أيضا أصحاب بن شهاب على بن شِهَابٍ وَفِي لَفْظِهِ أَيْضًا
وَعِنْدَ مَعْمَرٍ فِيهِ عن بن شِهَابٍ إِسْنَادَانِ أَحَدُهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ الله
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506
عن بن عَبَّاسٍ
وَالثَّانِي عَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي التَّمْهِيدِ
وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ
وَقَالَ فِيهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا - أَوْ قَالَ ذَائِبًا
- لَمْ يُؤْكَلْ وَلَكِنِ انْتَفَعُوا بِهِ وَاسْتَصْبِحُوا
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي التَّمْهِيدِ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ لِلسَّمْنِ الْجَامِدِ الْمُلَاصِقِ لِلْفَأْرَةِ بِحُكْمِ الْفَأْرَةِ الْمَيْتَةِ بِتَحْرِيمِ
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمَيْتَةَ عَلَى عِبَادِهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِلْقَاءِ
الْفَأْرَةِ وَإِلِقَاءِ مَا مَسَّهَا وَاتَّصَلَ بِهَا مِنَ السَّمْنِ الْجَامِدِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْلَ الْفَأْرَةِ الْمَيْتَةِ وَمَا بَاشَرَهَا مِنَ السَّمْنِ الْجَامِدِ حَرَامٌ لَا
يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
وَاخْتَلَفُوا فِي السَّمْنِ الْمَائِعِ الذَّائِبِ وَالزَّيْتِ الْمَائِعِ وَالْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَالْمُرِّيِّ وَسَائِرِ
الْمَائِعَاتِ
فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ لَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا
مَاتَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالْفَأْرَةِ وَالْعُصْفُورِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْوَزَغَةِ
وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ وما يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ أَصْلًا فَهُوَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَحْرَى
وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ عَنِ الْجَمَاعَةِ مِنْهُمْ دَاوُدُ فَقَالُوا لَا يُؤْكَلُ الْجَامِدُ الْمُتَّصِلُ بِالْفَأْرَةِ مِنَ
السَّمْنِ وَيُؤْكَلُ غَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مَائِعٍ وَجَامِدٍ إِذَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ النَّجَاسَةُ الْوَاقِعَةُ فِيهِ
وَلَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْهُ وَحَكَمُوا هُنَا لِلْمَائِعَاتِ حُكْمَ الْمَاءِ
وَمِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ أَيْضًا مَنْ أَجَازَ أَكَلَ الْجَامِدِ وَغَيْرَ الْجَامِدِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَرَدُّوا
الْحَدِيثَ كَرَدِّهِمْ لِسَائِرِ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ عَصَمَنَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مِنَ الْخُذْلَانِ
وَيُلْزِمُ دَاوُدُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْفَأْرَةَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى السَّمْنَ وَأَظُنُّهُ قَالَهُ أَوْ
قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ لَا يَعْتَبِرُوا إِلْقَاءَهَا فِي السَّمْنِ الجامد
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507
حَتَّى تَكُونَ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا فَمَاتَتْ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَ فِي
سَمْنٍ لَيْسَ فِيهِ أُلْقِيَتْ وَكَفَى بِقَوْلٍ يؤول بِرَدِّ أَصْلِهِ إِلَى هَذَا فَسَادًا وَقُبْحًا
فَهَذَا مَا كَانَ فِي أَكْلِ الْمَائِعِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَالْحَيَوَانُ فَمَاتَ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ أَوْ تَقَعُ فِيهِ مَيْتَةٌ هَلْ يُسْتَصْبَحُ بِهِ أَوْ
يُنْتَفَعُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِ الْأَكْلِ أَمْ لَا
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ لَا يُسْتَصْبَحُ بِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لَا يُؤْكَلُ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ
كَذَا قَالَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ أَوْ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ - حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ
الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا يَعِيبُهُمْ بِذَلِكَ
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ أَتَانَا كِتَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ
قَالَ فَحُكْمُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ حُكْمُ الْمِيتَةِ
وَقَالَ آخَرُونَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الصَّابُونِ وَشِبْهِهِ
وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمر إِجَازَةُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ
قَالَ عَلِيٌّ - رِضَى اللَّهُ عَنْهُ اسْتَنْفِعْ بِهِ لِلسِّرَاجِ وَلَا تَأْكُلْهُ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ
ورواه بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508
فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي أَفَرَاقِ زَيْتٍ لِآلِ عَبْدِ الله بن عمر فأمرهم بن عمر أن يستصبحوا
به وَيَدْهُنُوا بِهِ الْأَدَمَ
وَمِنْ حُجَّةِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا - إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْخَمْرِ إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا
وَقَالَ آخَرُونَ يُنْتَفَعُ بِالزَّيْتِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَالْمَيْتَةُ كُلُّهَا بِالْبَيْعِ وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَا
عَدَا الْأَكْلَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ
قَالُوا وَجَائِزٌ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُبَيِّنَ وَكُلُّ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْبَيْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ لَا تَأْكُلُوهُ وَبِيعُوهُ لِمَنْ تبيعونه وَلَا تَبِيعُوهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ لَا تَبِيعُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وذكر بن وهب عن بن لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ
سَأَلْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا عَنِ الزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُؤْكَلَ قَالَا لَا قُلْتُ
أَفَأَبِيعُهُ قَالَا نَعَمْ ثُمَّ كَلُّوا ثَمَنَهُ وَبَيِّنُوا لِمَنْ يَشْتَرِيهِ مَا وَقَعَ فِيهِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ
قَالَ إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فستصبحوا بِهِ وَانْتَفِعُوا بِهِ
قَالُوا وَالْبَيْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ
قَالَ وَيُحْتَمَلُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ
أَيْ لِلْأَكْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا تَعَسُّفٌ فِي التَّأْوِيلِ وَبُعْدٌ مِنَ الصَّوَابِ بَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا
فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ وَانْتَفِعُوا يُرِيدُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ لَا غَيْرِهِ
وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ الِاسْتِصْبَاحِ لَذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَثْبَتَ فِي مَعْمَرٍ مِنْ عَبْدِ
الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى مِثْلِهِ فِيهِ
الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509
وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ فِي الزَّيْتِ الْمَنْجُوسِ أَنَّ
قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا
أَثْمَانَهَا إِنَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِمْ شُحُومُ الْمَيْتَةِ وَشُحُومُ الْمَيْتَةِ نَجِسَةُ الذَّاتِ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا وَلَا
أَكْلُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا
وَالزَّيْتُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ إِنَّمَا نَجِسَ بِالْجِوَارِ كَالثَّوْبِ الَّذِي يُصِيبُهُ الدَّمُ وَلِذَلِكَ رَأَى
غَسْلَهُ مَنْ رَآهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَذَكَرُوا حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ
وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ
فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ وَالْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ
بِهَا النَّاسُ فَقَالَ هِيَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ لِمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشَّحْمَ جَمَلُوهُ
فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ
قَالُوا فَعَلَى هَذَا خَرَجَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِي بَيْعِ الشُّحُومِ
وَأَكْلِ ثَمَنِهَا وَفِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الذَّاتِ مِثْلُ شُحُومِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ
وَلَيْسَ الزَّيْتُ تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَجِسَ بِالْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ بِنَجِسِ الذَّاتِ فَلِذَلِكَ
جَازَ بَيْعُهُ إِذَا بُيِّنَ بِعَيْبِهِ وَجَازَ أَكْلُ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ