باب ما ذكر من كلام مالك بن أَنس عند السلطان بالحق
 
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حدثني أَبي، حَدثنا أَبو يوسف محمد بن أَحمد بن الحجاج الصيدناني الرقي، حَدثنا أَبو خليد، يَعني عتبة بن حماد القارئ الدمشقي، عَن مالك بن أَنس قال: قال لي أَبو جعفر، يَعني عَبد الله بن محمد بن علي بن عَبد الله بن عباس، يوما: أعلى ظهرها أحد أعلم منك؟ قلت: بلى، قال فسمهم لي، قلتُ: لا أَحفظ أسماءهم، قال: قد طلبت هذا الشأن في زمن بني أُمية، فقد عرفته، أما أهل العراق فأهل كذب وباطل وزور، وأما أهل الشام فأهل جهاد، وليس عندهم كبير علم، وأما أهل الحجاز ففيهم بقية علم وأَنت عالم الحجاز، فلا تردن على أمير المؤمنين قوله، قال مالك: ثم قال لي: قد أردت أَن أجعل هذا العلم علما واحدا، فأكتب به إلى أمراء الأجناد وإلى القضاة، فيعلمون به فمن خالف ضربت عنقه ،
(1/28)

فقلتُ له: يا أمير المؤمنين، أَو غير ذلك، قلتُ: إِن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم كان في هذه الأُمة وكان يبعث السرايا، وكان يخرج فلم يفتح من البلاد كثيرًا حتى قبضه الله عز وجل، ثم قام أَبو بكر رضي الله عنه بعده فلم يفتح من البلاد كثيرًا، ثم قام عُمر رضي الله عنه بعدهما ففتحت البلاد على يديه، فلم يجد بدا من أَن يبعث أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم معلمين، فلم يزل يؤخذ عنهم كابرا عن كابر إلى يومهم هذا، فإِن ذهبت تحولهم مما يعرفون إلى ما لا يعرفون، رأوا ذلك كفرا، ولكن أقر أهل كل بلدة على ما فيها من العلم، وخذ هذا العلم لنفسك، فقال لي: ما أبعدت القول، أكتب هذا العلم لمحمد.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حدثني عَبد المتعال بن صالح من أَصحاب مالك، قال: قيل لمالك بن أَنس: إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون، قال: يرحمك الله، فأين التكلم بالحق ؟.
(1/29)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَحمد بن سنان سمعت موسى بن داود قاضي طرسوس يقول: سَمِعتُ مالك بن أَنس يقول: قدم علينا أَبو جعفر أمير المؤمنين سنة خمسين ومِئَة، فدخلت عليه، فقال لي: يا مالك كثر شيبك، قلت: يا أمير المؤمنين من أتت عليه السنون كثر شيبه، قال: يا مالك، مالي أراك تعتمد على قول ابن عُمر من بين أَصحاب النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم؟ قلت: يا أمير المؤمنين كان آخر من بقي عندنا من أَصحاب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، فاحتاج الناس فسألوه فتمسكوا بقوله، فقال: يا مالك عليك بما علمت أَنه الحق عندك، ولا تقولن عَليًّا، وابن عباس.
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا نصر بن علي، حَدثنا الحسين بن عُروَة، قال: لما حج هارون وقدم المدينة بعث إلى مالك بكيس فيه خمسمِئَة دينار، فلما قضي نسكه وإنصرف وقدم المدينة بعث إِليه أَن أمير المؤمنين يحب أَن يزامل مالكا إلى مدينة السلام، فقال للرسول: قل له: إِن الكيس بخاتمه، قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، قال: فتركه.
(1/30)