ما ذكر من قول الأَوزاعي بالحق عند السلطان وتركه تهيبهم في حين كلامه بالحق
 
عبد الرَّحمن بن عَمرو الأَوزاعي
ما ذكر من قول الأَوزاعي بالحق عند السلطان وتركه تهيبهم في حين كلامه بالحق
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: سَمِعتُ أمي تقول لما قدم عَبد الله بن علي بن العباس الشام كتب إلى الأَوزاعي أَن القني فلقيه بالناعورة قال فلما دخلت عليه قال يا عَبد الرَّحمن أما ترى مخرجنا هذا هجرة؟ قال بلغني أَن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قال: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أَو امرأة يتزوجها، أَو إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إِليه، قال فما تقول في أموال بني أُمية؟ قال: قلتُ إِن كانوا أخذوها حرام فهي عليهم حرام أبدا وعلى من أخذها منهم وإن كانوا أخذوها حلالا فهي حرام على من أخذها منهم، قال فما تقول في دمائهم؟ قال: قلتُ حارث، خاب الذي ليس له صاحب، قال: قلتُ حدثني أخوك داود بن علي أَن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إِلاَّ بواحدة من ثلاث، الدم بالدم والثيب الزاني والمرتد عن الإسلام: قال إنك لتقول هذا؟ قال: قلتُ: رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قاله، قال أَبو الفضل: فأخبرني أخ لنا عن بعض أَصحاب الأَوزاعي عن الأَوزاعيّ: قال فما تعلم أَن الخلافة وصية من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، قال: قلتُ: فلما حكم علي الحكمين؟ قالت أمي قال الأَوزاعي ثم دخل علي عَبد الله بعض تخليطه ذاك فانسللت منه فما حبسني دون جبل الجليل فنزلت برجل من بني سلمان فما سررت بضيافة أحد كما سررت بضيافة هذا الرجل وأراني في هري له فيه عدس فكانت خادمه تجيء في كل يوم فتأخذ من ذلك العدس فتطبخ لنا منه:
(1/211)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا محمد بن هارون أَبو جعفر المعروف بأبي نشيط البغدادي، قال: سَمِعتُ الفريابي يقول: سَمِعتُ الأَوزاعي يقول: أدخلت على عَبد الله بن علي وأَصحاب الخشب وقوف فأجلست على كرسي فقال لي ما تقول في دماء بني أُمية؟ قال أخذت في حديث غيره فقال لي إرجع ويلك، ما تقول في دمائهم؟ قال: قلتُ، ما تحل لك، قال لم؟ ويلك، قال: قلتُ، لأَن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بعث مُحمد بن مسلمة وأمره أَن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إِلاَّ الله فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم إِلاَّ بحقها وحسابهم على الله، فقال ويلك أليست لنا الخلافة وراثة من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قاتل عليها علي بن أَبي طالب بصفين؟ قال قلت: لو كانت الخلافة من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إِذا ما رضي علي بالحكمين، فقال لي أخرج ويلك، فما ظننت أَنّي أحمل إِلاَّ ميتا:
(1/212)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، قال: سَمِعتُ مروان بن محمد عن الأَوزاعي قال سأَلني عَبد الله بن علي، قَال ودخلت أتخطى القتلى -: ما تقول في مخرجنا هذا؟ قال: قلتُ حَدثنا أصلحك الله يَحيَى بن سعيد، حَدثنا محمد بن إِبراهيم التيمي، حَدثنا علقمة بن وقاص الليثي، قال: سَمِعتُ عُمر بن الخطاب، قال: سَمِعتُ رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم يقول إِنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أَو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إِليه:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، حَدثنا الفريابي عن الأَوزاعي قال قال لي عَبد الله بن علي: أليس الخلافة وصية لنا من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قاتل علي كرم الله وجهه عليها بصفين؟ قال: قلتُ لو كانت وصية من رسول الله ما حكم علي الحكمين، قال سأَلني والمسودة قيام على رؤوسنا بالكافر كوبات:
(1/213)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا محمد بن مسلم قال: قال الفريابي عن سُفيان، قَال: دخلتُ على أبي جعفر، فذكرته لأَبي نُعَيم فقال هذا وهم إِنما دخل سُفيان على المهدي وظننت أَن الفريابي غلط ما بين هذه الحكاية وحكاية الأَوزاعي في دخوله على أبي جعفر وكان الأَوزاعي دخل على أبي جعفر فقال الأَوزاعي دخلت عليه فرأيت الرجال وقوفا بين يديه بالسيوف فلما رأَيت ذلك لم أشك إِلاَّ وأَنا مقتول قال لي ما تقول في دماء بني أُمية؟ قلت هي حرام قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم أمرت أَن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إِلاَّ الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله، قال ويلك ليس الخلافة وراثة لنا من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم؟ قلت لو كانت وراثة لكم ما حكم علي الحكمين، قال ثم قال لي قم، فخرجت:
(1/213)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: ذكره أَبي، حَدثنا العباس بن الوليد بن مزيد، قال: حَدثني ابن أَخي إمرأة الأَوزاعي قال: لما قدم أَبو جعفر أمير المؤمنين الشام يريد بيت المقدس كتب إلى الأَوزاعي يلقاه بدمشق فلما نزل أَبو جعفر دمشق إستبطأه وقدم الأَوزاعي إلى دمشق فترك إتيان أبي جعفر وأتى إبنه المهدي فسلم عليه وهنأه بما أسند إِليه ودعا له وحدثه بالحديث عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: إنكم ستجندون أجنادا وتفتح لكم مدائن وحصون فمن أدرك ذلك فاستطاع أَن يحبس نفسه في حصن من تلك الحصون فليفعل، وقد حبست نفسي في بعضها ورجوت أَن يدركني أجلي فيها وقد كتب إلى أمير المؤمنين ألقاه ولست أدري كيف يكون التخلص منه أَن لقيته ولكني رأَيت في لقائك خلفا من لقائه وفي إذنك خلفا من إذنه، قال وترى ذلك؟ قال نعم: قال فأمر له بجائزة: قال فبينا هو عنده ذات يوم إذ خرجت عليهم جارية فقالت يا سيدي من هذا الشيخ؟ قال هذا الأَوزاعي، قالت فإِن سيدتي تريد أَن تسأله عن مسألة قال فقال لها فلتسأل عما بدا لها قال فقالت إنها كانت في أرضها إذ هجمت عليهم خيل العرب فالتجاؤا إلى غار ومعها بني لها وضعت يدها على فمه مخافة أَن يصيح فيدل عليهم فما رفعت يدها عن فيه إِلاَّ وهو ميت فهل عليها فيه شيء؟ وهل لها كفارة لما صنعت؟ فقال الأَوزاعي أكان هذا منها قبل الإسلام، أَو بعده؟ قالت قبل الإسلام، قال فإِن الإسلام قد هدم ما كان قبله وأحب أَن تعتق رقبة:
(1/214)

قال فسألت عن ولده فأخبرت بأن للأوزاعي ثلاث بنات قال فأخرجت إِليه ثلاث درات هدية لهن فلما قدم عليهن قال لهن إِن هؤلاء الدرات أهدين لكن، ولا يصلحن إِلاَّ مع شبههن من الحلي ولكن رأَيت رأيا إِن أحببتن فعلته، قال قلن وما هو؟ قال نبيعهن ونتجر بأثمانهن حتى لعل الله أَن ينفعكن وإيانا به، قلن: نعم، فبعث بهن إلى دمشق فبعن بثمانين ومائتي دينار وكان مدخل الشتاء قال فأمر الذي باعهن أَن يشتري له قطيفا وأنجبانيات وبعث بهن إِليه:
قال أَبو الفضل فأخبرني هذا الرجل أَنه حدثه بعض أشياخ المدينة، يَعني بيروت أَنه صار إِليه أنبجانيتان منها، وفقده أَبو جعفر فقال لعبد الوهاب بن إِبراهيم الهاشمي عامله على دمشق والمهدي عنده: ألم أوجه إليك كتابي إلى عَبد الرَّحمن؟ قال بلى يا أمير المؤمنين وأنفذته، قال يقول المهدي قد والله يا أمير المؤمنين جاءني فسلم علي وهنأني بما أسند إلى أمير المؤمنين من الخلافة ودعا لي دعاء وقع برده على قلبي، وأخبره بما حدثه به أَنه إستأذنني في الرجوع إلى مكتبه وأعلمني أَن في إذني له خلفا من إذنك فقال أَبو جعفر للمهدي فعلتها يا أَبَا عَبد الله؟ قال قد كان ذا، قال: ارحلوا:
(1/215)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا علي بن الحسن الهِسِنجَاني، حَدثنا أَحمد، يَعني ابن صالح، قال: سَمِعتُ ابن أَبي ذئب يحدث سُفيان الثَّوري بدخوله على أبي جعفر وكلامه له فذكر قصة لا أَحفظها كما أحب قال ابن أَبي ذئب فقلتُ له: أَخْبَرني أنصح لك من المهدي، فقال بأي شيء حل لك أَن تقول: المهدي؟ قال ابن أَبي ذئب: كلنا قد هداه الله:
(1/216)