باب ما ذكر من ورع ابن المبارك وزهده
 
عبد الله بن المبارك
باب ما ذكر من ورع ابن المبارك وزهده
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، قال: سَمِعتُ عَبد الله بن أَحمد، أَخْبَرنا عَبد الرَّحمن الأحول، قال: سَمِعتُ ابن المبارك يقول: بينا أَنا في مرحلة بين الكوفة ومكة إذ جاءني رجل معه حبل قت فجلس بين يدي فقال يا أَبَا عَبد الرَّحمن أَنا في هذه القرية ليس فيها حانوت غير حانوتي يمر بي المار فلو أبيت بهذا الحبل إِلاَّ مِئَة درهم لم يجد بدا من أَن يشتريه مني أفأبيعه؟ قال فالتفت إلى رفقائي فقلت شدوا متاعكم قال فارتحلت ولم أجبه بِشيءٍ قال فلما صرنا في المرحلة الأخرى قلت لرفقائي: تدرون لم سكت عن صاحب الحبل؟ قالوا: لا، قال كرهت أَن أَقول له لا تبعه، فأحرم عليه شيئًا قد أحله الله عز وجل له وكرهت أَن أَقول له بعه فيقطع أيدي الناس وأرجلهم بكلامي، فارتحلت وسكت:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا محمد بن مسلم، قال: سَمِعتُ محمد بن عَبد الله بن حوشب الطائفي قال: سَمِعتُ أَبي يقول: زاملت ابن المبارك، أَوْ قال كنت رفيقا له، شك أَبو عَبد الله، فذكر يوما قصيدة لسليمان العدوي فقال لي يا أَبَا محمد هذه أَحَب إِلَيَّ من قصر ابن طاهر، ثم ذكر يوما كلاما من هذه الرقائق فقال لي يا أَبَا محمد ضيعنا أيامنا في الإيلاء والظهار وتركنا هذا العلم:
(1/279)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: ذكره أبي قال كتب إلي عَبد الله بن خبيق قال قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أَنتفع بها لم أكتبها بعد، وقيل لابن المبارك ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء وقيل لابن المبارك أوصني، قال: أعرف قدرك:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا محمد بن عَمرو زنيج، حَدثنا أَبو إِسحاق الطَّالْقاني، قال: سَمِعتُ ابن المبارك قال: لأَن أتصدق بدرهم من حلال أحب إلي من أَن أتصدق بستين درهمًا من شبهة:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، حَدثنا عِمران بن هارون عن عبدة، يَعني ابن سليمان، قَال قيل لابن المبارك لو أَتيت هذا الرجل فوعظته؟ قال: لا، ليس الآمر الناهي من دخل عليهم، إِنما الآمر الناهي من جانبهم:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، قال: سَمِعتُ عَبدَة بن سُليمان قال كنا مع ابن المبارك في أرض الروم فبينا نحن نسير ذات ليلة والسماء من فوقنا والبلة من تحتنا فقال ابن المبارك: يا أَبَا محمد أفنينا أيامنا في الإيلاء والظهار عن مثل هذه الليالي، فلما أصبحنا نزلنا على عيني ماء فجعل الناس يتبادرون ويسقون دوابهم فقدم ابن المبارك دابته فضرب رجل من أهل الثغر وجه دابة ابن المبارك وقدم دابته، فقال: يا أَبَا محمد المنافسة في مثل هذا الموضع ليس في الموضع الذي إِذا رأونا قالوا وسعوا لأَبي عَبد الرَّحمن، إرتفع يا أَبَا عَبد الرَّحمن:
(1/280)