باب ما ذكر من زهد أَحمد بن حَنبل وورعه
 
أَحمد بن حَنبل
باب ما ذكر من زهد أَحمد بن حَنبل وورعه
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح بن أَحمد بن حَنبل قال ربما رأَيت أبي رحمه الله يأخذ الكسر فينفض الغبار عنها ثم يصيرها في قصعة ويصب عليها ماء حتى تبتل ثم يأكلها بالملح:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح قال: ما رأَيت أبي قط إشترى رمانا، ولا سفرجلا، ولا شيئًا من الفاكهة إِلاَّ أَن يكون يشتري بطيخة فيأكلها بخبز، أَو عنبا، أَو تمرا، فأما غير ذلك فما رأَيته قط إشتراه:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح، قال: قال أَبي: إِن كانت والدتك في الغلا، تغزل غزلا دقيقا فتبيع الأستار بدرهمين أقل، أَو أكثر فكان ذلك قوتنا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح قال: كان ربما خبز له فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيجيء إلى الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم فيدفعه إِليهم فيضحكون، ولا يأكلون وكثيرًا ما يأتدم بالخل:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح بن أَحمد بن حَنبل قال جئت يوما إلى المنزل فقيل لي قد وجه أبوك أمس في طلبك فقلت: وجهت في طلبي؟ قال: جاءني أمس رجل كنت أحب أَن تراه، بينا أَنا قاعد في نحر الظهيرة إِذا أَنا برجل يسلم بالباب، فكأن قلبه إرتاح فقمت ففتحت الباب، فإذا أَنا برجل عليه فرو على أم رأسه خرقة ما تحت فروه قميص، ولا معه ركوة، ولا جراب، ولا عكاز قد لوحته الشمس ،
(1/304)

فقلت: أدخل، فدخل الدهليز فقلت: من أين أقبلت؟ فقال من ناحية المشرق أريد بعض هذه السواحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد إِلاَّ أَنّي نويت السلام عليك، قال: قلتُ له: على هذه الحال؟ قال: نعم، ما الزهد في الدنيا قلت: قصر الأمل قال فجعلت أعجب منه فقلت في نفسي: ما عندي ذهب، ولا فضة قد خلت البيت فأخذت أربعة أرغفة فخرجت إِليه فقلت: ما عندي ذهب، ولا فضة وإنما هذا من قوتي، فقال: أَو يسرك أَن أقبل ذلك يا أَبَا عَبد الله؟ قلت: نعم، قال فأخذها فوضعها تحت حضنه وقال: أرجو أَن تكفيني هذه زادي إلى الرقة، أستودعك الله، قال فلم أزل قائما أَنظر إِليه إلى أَن خرج، وكان يذكره كثيرًا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح قال ذكر يوما عنده، يَعني أَبيه، رجل فقال: يا بني، الفائز من فاز غدا، ولم يكن لأحد عنده تبعة، وذكرت له ابن أَبي شيبة، وعَبد الأَعلَى البرسي ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين فقال إِنما كانت أياما قلائل ثم تلاحقوا وما نحلوا منها بكبير شيء:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، أَخبَرنا عَبد الله بن أَحمد بن حَنبل فيما كتب إلي قال: سَمِعتُ أَبي يقول: وذكر الدنيا فقال: قليلها يجزي وكثيرها لا يجزي قال وسمعتُ أَبي وذكر عنده الفقر فقال: الفقر مع الخير:
(1/305)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح بن أَحمد قال أمسك أبي رحمه الله عن مكاتبة إِسحاق بن راهويه لما أدخل كتابه إلى عَبد الله بن طاهر وقرأه:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، حَدثنا أَحمد بن أَبي الحواري، حَدثنا عُبَيد القاري قال دخل عم أَحمد بن حَنبل على أَحمد بن حَنبل ويده تحت خده فقال ابن أَخي أي شيء هذا الغم؟ أي شيء هذا الحزن؟ فرفع أَحمد رأسه إِليه فقال: يا عم طوبى لمن أخمل الله ذكره:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبي يقول: كان أَحمد بن حَنبل إِذا رأَيته تعلم أَنه لا يظهر النسك، رأَيت عَليه نعلا لا يشبه نعل القراء له رأس كبير معقف وشراك مسبل كأَنه إشترى له من السوق ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخطط آسما نجوني:
قال أَبو محمد: أراد بهذا والله أعلم ترك التزين بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح، قال: قال أَبي: أَنا إِذا لم يكن عندي قطع أفرح:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح بن حَنبل قال إشتريت جارية فشكت إِليه أهلي فقال لها: قد كنت أكره لكم الدنيا، وكان ربما بلغني عنك الشيء، فقالت يا عم ومن يكره الدنيا غيرك؟ قال لها، فشأنك إذا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا صالح بن أَحمد، قال: ربما إشترينا الشيء فنستره كي لا يراه فيوبخنا على ذلك:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبو مَعين الحسين بن الحسن الرازي قال حضرت أَحمد بن حَنبل وجاءه فيج بكتاب، أظنه من البسطامي فوضعه ولم يقرأه وقال: ما عندنا شيء نعطيك إِلاَّ أستغفر الله، الخبز إِن رضيت به:
(1/306)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبو مَعين الحسين بن الحسن الرازي، قال رأَيت أَنا على أَحمد بن حَنبل كبلا، يَعني الفرو الغليظ:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: ذكره عَبد الله بن أَبي عُمر البكري الطَّالْقاني، قال: سَمِعتُ عَبد الملك بن عَبد الحميد الميموني يقول: ما رأَيت مصليا قط أحسن صلاة من أَحمد بن حَنبل، تكبيره ورفع رأسه وسجوده وقعوده بين السجدتين وتشهده وتسليمه حتى كنت أرى فيه ما يحكى عن علي، يَعني ابن يَحيَى بن خَلاَّد، ويسترخي كل عضو منه ويرجع إلى مكانه، وكان إِذا رفع يديه في التكبير حاذَى بهما منكبيه وقرب إبهاميه من أذنيه، وما رأَيت أحدًا أشد إتباعا لأحاديث السنن منه، يضعها مواضعها:
(1/307)