باب ما ذكر من حفظ أَبي زُرعَة رحمه الله
 
أبو زُرعَة الرازي
باب ما ذكر من حفظ أَبي زُرعَة رحمه الله
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ علي بن الحسين بن الجنيد المالكي يقول: ما رأَيت أحدًا أَحفظ لحديث مالك بن أَنس لمسنده ومنقطعه من أَبي زُرعَة، قلتُ: ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ؟ قال: نعم:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: سَمِعتُ أَحمد بن حَنبل وذكر، عَن عَبد الله بن واقد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس قال رأَيت النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم يصلي على راحلته نحو الشام، فقال أَحمد: ما ظننت أَن الهرماس روى عن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم سوى حديث العضباء حتى جاء أَبو قتادة بهذا الحديث، قلتُ له: أنا، وههنا حديث آخر سوى هذين، قال: ما هو؟ قلت: حَدثنا عَمرو بن مرزوق عن عكرمة بن عمار عن الهرماس قال: سلمت على النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم فمد يده:
(1/331)

قال أَبو زُرعَة: فسكت ولم ينكره، وقال أَبو محمد: كان أَبو زُرعَة قل يوم إِلاَّ يخرج معه إلى المسجد كتابين، أَو ثلاثة كتب، لكل قوم كتابهم الذي سألوا فيه فيقرأ على كل قوم ما يتفق له القراءة من كتاب، ثم يقرأ للآخر كتابه الذي قد سأل فيه أوراق ثم يقرأ للثالث كمثل ذلك فإذا رجعوا أولئك في يومهم يكون قد أخرج معه كتابهم فيجيء إلى الموضع الذي كان قرأ عليهم إلى ذلك المكان فيبتدئ فيقرأ من غير أَن يسألهم: إلى أين بلغتم؟ وما أول مجلسكم؟ فكان ذاك دأبه كل يوم لا يستفهم من أحَد منهم، أول مجلسه وهذا بالغداة، وبالعشي كمثل، ولا أعلم أحدًا من المحدثين قدر على هذا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبو زُرعَة قال حضرت يوما عُبَيد الله بن عائشة فقال: أول من كسا البيت جرهم:
قال أَبو زُرعَة فقلت فجرهم كان قبل، أَو تبع؟ قال: بل تبع، قلت حَدثنا إِبراهيم بن موسى، أَخْبَرنا ابن ثور عن معمر عن تميم بن عَبد الرَّحمن عن سَعيد بن جُبير قال: أول من كسا البيت تبع فنهى الناس عن سبه، فسكت ثم انبسط بعد ذلك إلى:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: قعدت إلى أبي الوليد يوما فحملت عنه ثمانية عشر حديثا وحَدثنا مذاكرة من غير أَن كتبت منه حرفًا وتحفظت عنه كله:
حَدثنا عَبد الرَّحمن سمعت أَبا زُرعَة يقول: سمعت من بعض المشايخ أحاديث فسأَلني رجل من أَصحاب الحديث فأعطيته كتابي فرد علي الكتاب بعد ستة أشهر فأنظر في الكتاب فإذا أَنه قد غير في سبعة مواضع:
(1/332)

قال أَبو زُرعَة فأخذت الكتاب وصرت إلى عنده فقلت ألا تتقي الله تفعل مثل هذا؟ قال أَبو زُرعَة فأوقفته على موضع موضع وأخبرته وقلتُ له: أما هذا الذي غيرت فإِنه هذا الذي جعلت، عَن ابن أَبي فديك فإِنه، عَن أَبي ضمرة مشهور وليس هذا من حديث ابن أَبي فديك، وأما هذا فإِنه كذا وكذا فإِنه لا يجيء عن فلان وإنما هذا كذا، فلم أزل أخبره حتى أوقفته على كله ثم قلتُ له: فإِني حفظت جميع ما فيه في الوقت الذي إنتخبت على الشيخ، ولو لم أَحفظه لكان لا يخفى على مثل هذا، فاتق الله عز وجل يا رجل:
قال أَبو محمد فقلتُ له: من ذلك الرجل الذي فعل هذا؟ فأبى أَن يسميه:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: وسمعت أَبا زُرعَة يقول دفعت كتاب الصوم إلى رجل بغدادي فرد علي فإذا أَنه قد غير حرفًا من الإِسناد عن جهته:
قال أَبو زُرعَة فتعجبت منه فقلت في نفسي يا سبحان الله من يريد أَن يفعل هذا بي؟ أي شيء يظن؟ وقلت في نفسي أَنه يظن أَنه عمل شيئًا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: وسمعت أَبا زُرعَة يقول: ودفع إِليه رجل حديثا فقال اقرأ فلما نظر في الحديث قال: من أين لك هذا؟ قال وجدته على ظهر كتاب ليوسف الوراق:
قال أَبو زُرعَة: هذا الحديث من حديثي غير أَني لم أحدث به، قيل له: وأَنت تحفظ ما حدثت به مما لم تحدث به؟ قال بلى، ما في بيتي حديث إِلاَّ وأَنا أفهم موضعه:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: مررت يوما ببيروت فإذا شيخ مخضوب متكئ على عصا فلما نظر إلى قال لرجل: ترى هذا ليس في الدنيا أَحفظ من هذا:
قال أَبو زُرعَة ما يدريه؟ عرف حفاظ الدنيا حتى يشهد لي بهذه الشهادة؟ غير أَن الناس إِذا سمعوا شيئًا قالوه:
(1/333)