باب ما ذكر من جلالة أَبي زُرعَة عند العلماء
 
أبو زُرعَة الرازي
باب ما ذكر من جلالة أَبي زُرعَة عند العلماء
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا الحسن بن أَحمد بن الليث، قال: سَمِعتُ أَحمد بن حَنبل وسأله رجل فقال: بالري شاب يقال له أَبو زُرعَة، فغضب أَحمد وقال: تقول شاب؟ كالمنكر عليه، ثم رفع يديه وجعل يدعو الله عز وجل لأَبي زُرعَة ويقول: اللهم انصره على من بغي عليه، اللهم عافه، اللهم ادفع عنه البلاء، اللهم، اللهم، في دعاء كثير:
قال الحسن فلما قدمت حكيت ذلك لأَبي زُرعَة وحملت إِليه دعاء أَحمد بن حَنبل له وكنت كتبته عَنه فكتبه أَبو زُرعَة وقال لي أَبو زُرعَة: ما وقعت في بلية فذكرت دعاء أَحمد إِلاَّ ظننت أَن الله عز وجل يفرج بدعائه عني:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: رأَيت في كتاب عَبد الرَّحمن بن عُمر الأصبهاني المعروف برستة من أصبهان إلى أَبي زُرعَة بخطه: إعلم رحمك الله أَنّي ما أكاد أنساك في الدعاء لك ليلي ونهاري أَن يمتع المسلمون بطول بقائك فإِنه لا يزال الناس بخير ما بقي من يعرف العلم وحقه من باطله، ولولا ذاك لذهب العلم وصار الناس إلى الجهل، وقد جاء عن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم أَنه قال: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وقد جعلك الله منهم فاحمد الله على ذلك فقد وجب لله عز وجل عليك الشكر في ذلك:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: أردت الخروج من مصر فجئت لاودع يَحيَى بن عَبد الله بن بُكير فقلت تأمر بِشيءٍ؟ قال: أخلف الله علينا بخير:
(1/341)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبو زُرعَة، قال: سَمِعتُ إِبراهيم بن موسى يقول لي: أجد منك ريح الولد:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ محمد بن مسلم يقول: بعد وفاة أَبي زُرعَة بنحو من شهرين، يقول: ما فاتني الدعاء لأَبي زُرعَة في شيء من صلوات الفرائض منذ مات أَبو زُرعَة، إِلاَّ أمس فإِني كنت في التشهد فدخل علي بعض الناس فاشتغل به قلبي فنسيت الدعاء ثم دعوت له بعد ما صليت، قيل له: ويجوز الدعاء في الفرائض؟ قال: نعم، أَنا أدعو لأَبي زُرعَة وأسميه في صلواتي:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: كتب إلي أَبو الحسين أَحمد بن سليمان الرهاوي قال: ما أحد أَحَب إِلَيَّ أَن أراه من أَبي زُرعَة:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: كتب إلي إِسحاق بن راهويه: لا يهولنك الباطل فإِن للباطل جولة ثم يتلاشى:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: قلت لأَبي زُرعَة كتب إليك حين حدثت؟ قال: نعم، لم أكن إنبسطت في مكاشفة القوم حينئذ:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: ذكرت لأَحمد بن حَنبل حديث أبي داود عن بشر بن الفضل، عَن أَبيه عن خالد الحَذَّاء عن أَنَس بن سيرين، عَن أَبي يحيى، عَن أَبي موسى عن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم قال: لا يباشر الرجل الرجل إِلاَّ وهما زانيان، ولا تباشر المرأة المرأة إِلاَّ وهما زانيتان: فقال لي أَحمد بن حَنبل: من بشر هذا؟ قلت: رأَيت المصريين يحدثون عن بشر هذا، فقال أَحمد، كأن هذا الشيخ بصري وقع إِليهم:
(1/342)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: لما أَتيت محمد بن عائذ وكان رجلاً جافيا ومعي جماعة فرفع صوته فقال: من أين أَنتم؟ قلنا: من بلدان مختلفة، من خراسان من الري من كذا وكذا، قال: أَنتم أمثل من أهل العراق، قال: ما تريدون؟ ورفع صوته قلنا، شيئًا من حديث يَحيَى بن حمزة، فلم أزل أرفق به وأداريه حتى حدثني بما معي، ثم قال: خذ الكتاب فانظر فيه، فأَعطاني كتابه فنظرت فيه وكتبت منه أحاديث، ثم قال: خذ الكتاب فاذهب به معك:
قال أَبو زُرعَة: فدعوت له وشكرته على ما فعل، قلت: أَنا أُجِل كتابك عن حمله، وأَنا أُصيب نسخة هذا عند أَصحابنا، فذهبت فأخذت من بعض أَصحاب الحديث فنسخته على الوجه، وسألته كتاب الهيثم بن حميد فأخرج إلي جزءا عن الهيثم بن حميد وكان عند هشام بن عمار عن الهيثم بن حميد شيء يسير فأخرج هو جزءا عن الهيثم فاستغنمته وكتبته على الوجه، وسألته كتاب الفتن عن الوليد بن مسلم فأجابني، وتعجب الدمشقيون مما يفعل بي، ونسخت كتاب الفتن فأتيته مع رفقائي فقال: إِنما أجبتك ولم أجب هؤلاء، فلم أزل أرفق به وأداريه حتى حَدثنا به وسمعوا معي:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سمعنا أَبا زُرعَة يقول: دفع إلي أَحمد بن حَنبل جزئين فنظرت فإذا أحاديث المُعتَمر بن سُليمان وبشر بن المفضل أحاديث قد كتبتها عن غيره فأقبلت أتفكر وأنظر إِليه فأَقول مرة أكتبه، وأَقول مرة قد سمعتها من غيره لا أكتبه، ففطن رحمه الله ، فقال: أراك قد سمعتها من غيرنا؟ قلت: نعم، قال عمن كتبتها؟ فقلت: عن مسدد، فقال: مسدد ثقة اصفح، فصفحت فرأيت أحاديث حسانا عن غُنْدَر وغيره، وقال: أحاديث خالد بن ذكوان عن الربيع عمن كتبتها؟ قلت عن مسدد:
(1/343)

حَدثنا عَبد الرحمَن قال قرأت كتاب إِسحاق بن راهويه إلى أَبي زُرعَة بخطه: إعلم أبقاك الله أَنّي كنت أَسمع من إخواننا القادمين علينا ومن غيرهم حالك وما أَنت عليه من العلم والحفظ فأسر بذلك وأني أزداد بك كل يوم سرورا فالحمد لله الذي جعلك ممن يحفظ سنته، وهو من أعظم ما يحتاج إِليه الطالب اليوم، وأَحمد بن إِبراهيم لا يزال في ذكرك بالجميل حتى يكاد يفرط حبا لك وإن لم يكن فيك بحمد الله إفراط:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول كتب إلي أَبو ثور فقال في كتابه: كان الأمر قديما أَمر أَصحابك، يَعني في التفقه، حتى نشأ قوم فاشتغلوا بعدد الأحاديث وتركوا التفقه:
قال وسمعت أَبا زُرعَة يقول: وقد عاد قوم في التفقه، وهو الأَصل:
(1/344)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة، وقلتُ له: أخبرت أَنه قرأ عليك الربيع بالليل فقال: ما أعلم أَنّي سمعت منه بالليل إِلاَّ مجلسا واحدا رافقني رجل فلما تهيأ خروجي إمتنع من الخروج قلت مالك؟ قال قد بقي علي شيء من كتب الشافعي وكان قد سمع كتب الشافعي من حَرملَة فقلت لرفيقي: ترضى أَن يقرأ عليك الربيع؟ قال: نعم: قال أَبو زُرعَة: فلقيت الربيع فأخبرته بالقصة وسألته أَن يجيئنا ليلا فيقرأ على رفيقي ما بقي عليه فجاءنا ليلا فقرأ علينا، قلتُ: أخبرت أَن الربيع قرأها عليك في أَربعين يوما؟ قال: لا يابني، إِنما كنت أَسمع منه في وقت أتفرغ فيه إِليه وكنت آخذ ميعاده في مسجد الجامع فربما أبطأت عليه وربما لم أجئ فلا ينصرف فيقول إِذا لم يمكنك المجيء فاكتب على الأسطوانة حتى أمضي:
(1/344)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ محمد بن مسلم يقول: أَنا أحقر في نفسي من أَن ينزلني الله عز وجل منزلة أَبي زُرعَة:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: قال لنا أَبو الوليد الطيالسي: إِذا كان عندنا قوم فلا تستأذنوا فليس عليكم حجاب، وربما دخلنا عليه، وهو يأكل فيشدد علينا أَن كلوا:
(1/345)