باب ما ذكر من زهد أَبي زُرعَة وظلف نفسه عن الدنيا
 
أبو زُرعَة الرازي
باب ما ذكر من زهد أَبي زُرعَة وظلف نفسه عن الدنيا
:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: لو كان لي صحة بدن على ما أريد كنت أتصدق بمالي كله وأخرج إلى طرسوس، أَو إلى ثغر من الثغور وآكل من المباحات وألزمها، ثم قال: إِني لألبس الثياب لكي إِذا نظر إلي الناس لا يقولون قد ترك أَبو زُرعَة الدنيا ولبس الثياب الدون، وأني لآكل ما يقدم إلي من الطيبات والحلواء لكي لا يقول الناس أَن أَبا زُرعَة لا يأكل الطيبات لزهده، وإني لآكل الشيء الطيب وما مجراه عندي ومجرى غيره من الأدم إِلاَّ واحد، وألبس الثياب الجياد ودونه من الثياب عندي واحد، لأَن جميعا يعملان عملا واحدا، ومن أحب أَن يسلم من لبسه الثياب يلبسه لستر عورته فإِنه إِذا نوى هذا ولم ينو غيره سلم:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: كنت فيما مضى، وأَنا صحيح وربما أخذتني الحمى فأضعف وأجد لذلك ألما، وأَنا اليوم ربما حممت وربما لم أحم فلا أجد لشئ مما أَنا فيه ألما، أظن في نفسي أَنه كذا ينبغي أَن يكون:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، قال: سَمِعتُ أَبا زُرعَة يقول: أعلم أَن عمي إِسماعيل طبخ قدرا بقرية روده وبوسته مغمى فقال لي ألق فيه شيئًا من الملح فأخذت كفا من الملح وألقيت فيه فصار القدر كله مرا ولم يذق أحد منا منه، فقيل لي: لم ألقيت كثرة هذا الملح في هذا؟ فقلت لهم لم توقتوا لي فيه شيئًا ولم أدركم ألقي فيها:
قال أَبو زُرعَة دخلت مرة البيت فنظرت فإذا قنينة فيها دهن شيرج فنظرت إِليه فظننت أَنه فقاع فأخذت القدح فصببت منه حتى قيل لي: هذا دهن، فنظرت فإذا هو دهن:
(1/348)