باب ما ذكر في مدح أَبي زُرعَة لبعض أهل الأدب
 
أبو حاتم الرازي
باب ما ذكر في مدح أَبي زُرعَة لبعض أهل الأدب
:
أضاءت بلاد الرَّي نورا وأشرقت: : : بذكر عُبَيد الله فالله أكبر
فشكرا لمن ابناه فينا وحمده: : : على أَنه فينا التقي المخير
لقد نور الري العريضة علمه: : : بدين رسول الله فالدين أنور
إذا غاب غاب العلم والحلم والتقى: : : وعند حضور القرن يبهى ويزهر
تمنى جماعات الرجال وترتجي: : : أراملها والكف بالجود تمطر
فلو كان بالرَّي العريضة كائن: : : كمثل عُبَيد الله يا قوم يشكر
(1/372)

أنسنا بما أنستنا من فوائد: : : وكنت ضيا ظلماتنا فهي مقمر
حبانا بك الله العزيز بقدرة: : : وبصرنا ما لم نكن قبل نبصر
فتى حَنبلي الرأي لا يتبع الهوى: : : ولكنه من خشية الله يحذر
يؤدي عن الآثار لا الرأي همه: : : وعن سلف الأخيار ما سيل يخبر
وليس كمن يأتي لنعمان دينه: : : وحجته حماد يوما ومسعر
فتى صيغ من فقه بل الفقه صوغه: : : مثال عُبَيد الله ما فيه منكر
تمنى رجال أَن يكونوا كمثله: : : وقد شيبتهم في الرياسة أعصر
وهيهات أَن يستدركوا فضل علمه: : : ولو مكثوا تسعين حولا وعمروا
لكي يدركوه، أَو تنال أكفهم: : : مدي النجم من حيث إستقل المغور
أبا زُرعَة القمقام أصبحت بارزا: : : على كل مرجئ بدينك تفخر
أبو زُرعَة شيخ النهي بكمالها: : : لك السبق إذ أَنت الأغر المشهر
فمتعك الرَّحمن بالحلم والتقى: : : وأبقاك ما دام الدجاج يقرقر
فمن مبلغ عني أميرى طاهرا: : : بأن عُبَيد الله شاه مظفر
أقام منار الدين فينا بعلمه: : : وليس كمن في دينه يتنصر
أتيتتك لا أدلى إليك بقربة: : : سوى قربة الدين الذي هو أكثر
فسبقك محمود وشكرك واجب: : : وعلمك مبسوط وبحرك يزخر
وأبقاك ربي ما حييت بغبطة: : : فأَنت نقي العرض ليث غضنفر
وقال الحواري يرثي أَبا زُرعَة رحمة الله عليه:
نفى النوم عن عيني وما زلت ساهرا: : : أراعى نجوما في السماء طوالعا
(1/373)

بفقدان حبر مات بالري فاضلا: : : عليما حليما خيرًا متواضعا
عنيت عُبَيد الخالق الجهبذ الذي: : : أقام لنا آثار أَحمد بارعا
أقام لنا دين النَّبي محمد: : : وأوضح للإسلام حقا وتابعا
وأنفى لنا التكذيب والبطل حسبة: : : ورد على الضلال من كان ضائعا
بآثار ختام النبيين أَحمد: : : وكان إماما قدوة كان خاضعا
فكاد له قلبي يطير مفجعا: : : غداة نعوه، أَو تصدع جازعا
وما زلت ذا شجو وهم وعبرة: : : كثكلى كئيبا دامع العين فاجعا
لقد مات محمودا سعيدا ولم نجد: : : له خلفا في المشرقين مطالعا
كمثل عُبَيد الله ذي الحلم فاضل: : : أَبي زُرعَة الغواص في العلم شاسعا
دفينا كريما تحت رمس وبرزخ: : : وأورثنا غما إلى الحشر فاظعا
فبورك قبر أَنت فيه مغيب: : : ، ولا زلت في الجنات جذلان راتعا
أبا زُرعَة فجعت من كان عالما: : : بموتك يا ذا العلم بحرا وجامعا
تركت أولي العلم حيارى أذلة: : : لموتك حتى الحشر فينا جوازعا
أبا زُرعَة يا خير من مات فاقدا: : : فبعدك قد صرنا نقاسي القوارعا
فقل لذوي زور وإفك وباطل: : : ومن كان أمسى شامتا، أَو مخادعا
تموت كشيخ العلم أبشر بلعنة: : : فعما قريب خائف الموت جازعا
وتلحقه ذا حسرة وندامة: : : إِذا ما وردت الرمس عجلان قامعا
إذا ما وردت الحوض حوض نبينا: : : وأَصحاب آثار تراهم كوارعا
لدي حوضه طورا يذودون من عصى: : : وأبدع في دين الإله البدائعا
فصلى عليك الواحد الفرد ما دعت: : : حمامة أيك، أَو يرى النجم ساطعا
وصلى عليك الصالحون ملائك: : : وكل نبي كان في الدهر شافعا
وصلى عليك الراسخون فواضل: : : إلى الحشر مثل الرمل إذ كنت خاشعا
(1/374)