باب في تثبيت السنن بنقل الرواة لها من كتاب الله عز وجل
 
تثبيت السنن
باب في تثبيت السنن بنقل الرواة لها من كتاب الله عز وجل
:
المجلد الثاني
بسم الله الرَّحمن الرحيم
رب يسر وأعن
قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} :
(2/1)

حَدثنا القاضي أَبو بكر محمد بن علي بن الحسين بن الفأفاء أَخبَرنا أَبو محمد عَبد الرَّحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، حَدثنا الحسن بن عرفة، وأَحمد بن سنان، والحسن بن محمد بن الصباح قالوا، حَدثنا أَبو مُعَاوية، عَن الأَعمش، عَن أَبي صالح، عَن أَبي سَعيد الْخُدْري قال: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال عدلا:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبو سَعيد الأَشج، حَدثنا وكيع عن الأَعمش، عَن أَبي صالح، عَن أَبي سَعيد قال: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وإنه يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال هل بلغت فيقول نعم فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح عليه السلام من يشهد لك فيقول محمد رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وأمته قال فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال الوسط العدل قال فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم يشهد عليكم بعد:
(2/2)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا عصام بن رواد، حَدثنا آدم، حَدثنا أَبو جعفر عن الربيع، عَن أَبي العالية لتكونوا شهداء على الناس يقول لتكونوا شهداء على الأمم التي خلت قبلكم بما جاءتهم به رسلهم وبما كذبوهم:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا الحسن بن أَحمد، حَدثنا إِبراهيم بن عَبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور، عَن الحسن قوله عز وجل لتكونوا شهداء على الناس أي عدلا على الناس:
قال عَبد الرَّحمن لما أخبر الله عز وجل أَنه جعل هذه الأُمة عدلا على الأمم في شهادتهم بتبليغ رسلهم رسالات ربهم بأن أَن السنن تصح بالأخبار المروية إذ كانت هذه الأُمة إِنما علمت تبليغ الأنبياء رسالات ربهم بأخبار نبيهم صَلى الله عَليه وسَلم لهم: :
ومن ذلك: قول الله عز وجل فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إِذا رجعوا إِليهم:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حَدثنا حجاج، عَن ابن جُرَيج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني، عَن ابن عباس في قوله عز وجل فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إِذا رجعوا إِليهم لعلهم يحذرون يقول لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فالماكثون مع رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إِذا رجعوا إِليهم من الغزو لعلهم يحذرون ما أنزل من بعدهم من قضاء الله عز وجل وكتابه وحدوده:
(2/3)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا الحسن بن أَبي الربيع الجرجاني حَدثنا وهب بن جرير، أَخْبَرنا أَبي، قال: سَمِعتُ عَبد الله بن عُبَيد بن عُمير في قوله عز وجل ما كان المؤمنون لينفروا كافة إلى آخر الآية قال كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إِذا بعث رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم سرية خرجوا فيها وتركوا النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم بالمدينة في رقة من الناس فأنزل الله عز وجل: {ما كان المؤمنون لينفروا كافة} أُمروا إِذا بعث النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم سرية أَن تخرج طائفة وتقيم طائفة فيحفظ المقيمون على الذين شخصوا ما أنزل من القرآن وما يسن من السنن فإذا رجعوا إخوانهم أخبروهم بذلك وإذا خرج رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم لم يتخلف عنه أحد إِلاَّ بإذن، أَو عذر:
قال عَبد الرَّحمن قد أَمر الله عز وجل المتخلفين مع نبيه صَلى الله عَليه وسَلم عمن خرج غازيا أَن يخبروا إخوانهم الغازين إِذا رجعوا إِليهم بما سمعوا من رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم من سنته فدل ذلك على أَن السنن تصح بالأخبار:
ومن ذلك: قول الله عز وجل {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} أَخْبَرنا محمد بن سعد العوفي، فيما كَتَبَ إلَيَّ، قال: حدثني أبي، قال: حَدثني عمي، عَن أَبيه، عَن جَدِّه، عَن ابن عباس قوله يا أَيها الذين آمنوا إِن جاءكم فاسق بنبأ الآية قال كان رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بعث الوليد بن عقبة بن أَبي معيط إلى بَني المُصطَلَق ليأخذ منهم الصدقات وأنه لما أَتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم ،
(2/4)

وَأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فقال يارسول الله إِن بَني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم غضبا شديدا فبينما هو يحدث نفسه أَن يغزوهم إذ أَتاه رجل فقال له يارسول الله إنا حُدِّثْنا أَن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أَن يكون رده كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله وإن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إستغشهم وهم بهم فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب فقال {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمينَ}:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا الحجاج بن حمزة العجلي، حَدثنا شبابة، حَدثنا ورقاء، عَن ابن أَبي نَجيح عن مجاهد قوله إِن جاءكم فاسق بنبأ الوليد بن عقبة أرسله النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم إلى بَني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالهيبة فرجع إلى النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم فقال إِن بَني المُصطَلَق قد جمعت لك لتقاتلك:
حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أبي رحمه الله، حَدثنا هشام بن خالد الدمشقي، حَدثنا شُعيب، يَعني ابن إِسحاق، حَدثنا سعيد، يَعني ابن أَبي عَرُوبَة عن قتادة قوله عز وجل يا أَيها الذين آمنوا إِن جاءكم فاسق، وهو الوليد بن عقبة بن أَبي معيط بعثه نبي الله صَلى الله عَليه وسَلم مصدقا إلى بَني المُصطَلَق فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم فرجع إلى نبي الله صَلى الله عَليه وسَلم فأخبره أنهم قد إرتدوا عن الإسلام فبعث نبي الله صَلى الله عَليه وسَلم خالد بن الوليد وأمره أَن يتثبت، ولا يعجل فانطلق خالد حتى أَتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أَتاهم خالد فرأى الذي يعجبه ورجع إلى نبي الله صَلى الله عَليه وسَلم فأخبره الخبر فأنزل الله عز وجل ما تسمعون:
(2/5)

حَدثنا عَبد الرَّحمن، حَدثنا أَبي، أَخْبَرنا عَبد العزيز بن منيب، حَدثنا أَبو معاذ النحوي عن عُبَيد بن سليمان عن الضحاك قوله عز وجل يا أَيها الذين آمنوا إِن جاءكم فاسق بنبأ الآية بعث رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم رجلاً من أَصحابه إلى قوم يصدقهم فأَتاهم الرجل وكان بينهم وبينه حنة في الجاهلية فلما أَتاهم رحبوا به وأقروا بالزكاة وأعطوا ما عليهم من الحق فرجع الرجل إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فقال يارسول الله منع بنو فلان الزكاة ورجعوا عن الإسلام فغضب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فبعث إِليهم فأتوه فقال أمنعتم الزكاة وطردتم رسولي فقالوا والله ما فعلنا، وإنا لنعلم أنك رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم وما بدلنا، ولا منعنا حق الله عز وجل في أموالنا فصدقهم رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم فأنزل الله هذه الآية فعذرهم:
قال أَبو محمد لما أخبر الوليد بن عقبة بن أَبي معيط النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم بإمتناع من بعث إِليهم مصدقا فقبل خبره لصدق الوليد وستره عنده وتغيظ عليهم بذلك وهم بغزوهم حتى نزل عليه القرآن {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} فكف عند ذلك عنهم دل على أَن السنن تصح عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بنقل الرواة الصادقين لها:
(2/6)

الموضوع التالي


باب في تثبيت السنن

الموضوع السابق


في آخر نسخة د