النهى عن اتخاذ القبور مساجد |
/وقد استفاضت الأحاديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من يفعل ذلك، ونهى عن اتخاذ قبره عيدًا، وذلك لأن أول ما حدث الشرك فى بنى آدم كان فى قوم نوح.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. وثبت ذلك فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أن نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وقد قال الله تعالى عن قومه أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}[نوح: 23، 24] قال غير واحد من السلف: هؤلاء كانوا قومًا صالحين فى قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم؛ وقد ذكر البخارى فى صحيحه هذا عن ابن عباس، وذكر أن هذه الآلهة صارت إلى العرب، وسمى قبائل العرب الذين كانت فيهم هذه الأصنام. فلما علمت الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أن النبى صلى الله عليه وسلم حَسَمَ مادة الشرك بالنهى عن اتخاذ القبور مساجد ـ وإن كان المصلى يصلى لله عز وجل، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس لئلا يشابه المصلين للشمس، وإن كان المصلى إنما يصلى لله تعالى، وكان الذى يقصد الدعاء بالميت أو عند قبره أقرب إلى الشرك من الذى لا يقصد إلا الصلاة لله عز وجل ـ لم يكونوا يفعلون ذلك. وكذلك علم الصحابة أن التوسل به إنما هو التوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، وموالاته، أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة عن هذا وهذا. فلما لم يفعل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ شيئا من ذلك، ولا دعوا بمثل هذه الأدعية ـ وهم أعلم منا وأعلم بما يحب الله ورسوله، وأعلم بما أمر الله به رسوله من الأدعية، وما هو أقرب إلى الإجابة منا، بل توسلوا بالعباس وغيره ممن ليس مثل النبى صلى الله عليه وسلم ـ دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكنا. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبرى وثَنًا يُعْبَد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه مالك فى موطئه ورواه غيره، وفى سنن أبى داود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبرى عيدًا، وصلوا علىَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغنى) وفى الصحيحين أنه قال فى مرض موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدًا. وفى صحيح مسلم عن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: (إنى أبرأ إلى الله أن يكون لى منكم خليل، ولو كنت متخذًا من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، فإن الله قد اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك). وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله). |