فصـل: حقيقة قول هؤلاء‏ أن وجود الكائنات هو عين وجود الله
 
‏/فصـل‏:‏
حقيقة قول هؤلاء‏:‏ أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال‏:‏ هم قائلون بالحلول رأوه محجوبًا عن معرفة قولهم، خارجا عن الدخول إلى باطن أمرهم؛ لأن من قال‏:‏ إن الله يحل في المخلوقات، فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم وإثبات لوجودين‏:‏
أحدهما‏:‏ وجود الحق الحال‏.‏
والثاني‏:‏ وجود المخلوق المحل، وهم لا يقرون بإثبات وجودين البتة‏.‏
ولا ريب أن هذا القول أقل كفرًا من قولهم، وهو قول كثير من الجهمية الذين كان السلف يردون قولهم، وهم الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان‏.‏ وقد ذكره جماعات من الأئمة والسلف عن الجهمية وكفروهم به، بل جعلهم خلق من الأئمة ـ كابن المبارك ويوسف بن أسباط وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره ـ خارجين بذلك عن الثنتين والسبعين فرقة‏.‏ وهو قول بعض متكلمة الجهمية وكثير من متعبديهم‏.‏
ولا ريب أن إلحاد هؤلاء المتأخرىن وتجهمهم وزندقتهم تفريع وتكميل لإلحاد هذه الجهمية الأولى وتجهمها وزندقتها‏.‏
/وأما وجه تسميتهم اتحادية ففيه طريقان‏:‏ أحدهما‏:‏ لا يرضونه؛ لأن الاتحاد على وزن الاقتران، والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر، وهم لا يقرون بوجودين أبدًا والطريق الثاني‏:‏ صحة ذلك بناء على أن الكثرة صارت وحدة كما سأبينه من اضطرابهم‏.‏
وهذه الطريقة إما على مذهب ابن عربي، فإنه يجعل الوجود غير الثبوت ويقول‏:‏ إن وجود الحق قاض على ثبوت الممكنات، فيصح الاتحاد بين الوجود والثبوت‏.‏ وأما على قول من لا يفرق فيقول‏:‏ إن الكثرة الخيالية صارت وحدة بعد الكشف، أو الكثرة العينية صارت وحدة إطلاقية‏.‏