فصــل: فهذان المعنيان صحيحان ثابتان
 
/ فصــل‏:‏
فهذان المعنيان صحيحان ثابتان، بل هما حقيقة الدين واليقين والإيمان‏.‏
أما الأول ـ وهو كون الله في قلبه بالمعرفة والمحبة‏:‏ فهذا فرض على كل أحد ولابد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه فهو ظالم لنفسه، وإن تركه كله فهو كافر بربه‏.‏
وأما الثاني ـ وهو موافقة ربه فيما يحبه ويكرهه، ويرضاه ويسخطه‏:‏ فهذا على الإطلاق إنما هو للسابقين المقربين، الذين تقربوا إلى الله بالنوافل، التي يحبها ولم يفرضها، بعد الفرائض التي يحبها ويفرضها ويعذب تاركها‏.‏
ولهذا كان هؤلاء لما أتوا بمحبوب الحق من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة المنتظمة للمعارف والأحوال والأعمال، أحبهم الله تعالى‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‏)‏‏.‏ فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل، مناسب له مناسبة المعلول لعلته‏.‏
ولا يتوهم أن المراد بذلك‏:‏ أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع‏.‏ وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، / والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف‏:‏ قوة المؤمن في قلبه، وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏فهما في الأجر سواء‏)‏ في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه، الذي قال‏:‏ ‏(‏لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل‏)‏ فإنهما لما استويا في عمل القلب وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم‏)‏‏.