قولُ الشَيْخُ ـ رَحمهُ اللَّهُ ـ ردًا لقول من قال‏:‏ كل مولود على ما سبق له في علم اللّه أنه سائر إليه
 
/ وقالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ـ رَحمهُ اللَّهُ ـ ردًا لقول من قال‏:‏ كل مولود على ما سبق له في علم اللّه أنه سائر إليه‏:‏ معلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة، فجميع البهائم هي مولودة على ما سبق في علم اللّه لها، وحينئذ فيكون كل مخلوق مخلوقًا على الفطرة‏.‏
وأيضًا، فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله‏:‏ ‏(‏فأبواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسَانه‏)‏ معنى، فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها، فلا فرق بين التهويد والتنصير‏.‏ ثم قال‏:‏ فتمثيله صلى الله عليه وسلم بالبهيمة التي ولدت جَمَعاء، ثم جدعت‏:‏ يبين أن أبويه غيرا ما ولد عليه‏.‏
ثم يقال‏:‏ وقولكم‏:‏ خلقوا خالين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان والكفر، وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر، فهذا قول فاسد جدًا‏.‏
/ فحينـئذ، لا فـرق بالنسبة إلى الفطـرة بين المعـرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، والإسلام، وإنما ذلك بحسب الأسباب، فكان ينبغي أن يقال‏:‏ فأبواه يسلمانه ويهودانه وينصرانه، فلما ذكر أن أبويه يكفرانه، وذكر الملل الفاسدة دون الإسلام، علم أن حكمه في حصول سبب مفصل غير حكم الكفر‏.‏
ثم قال‏:‏ ففي الجملة كل ما كان قابلًا للمدح والذم على السواء، لا يستحق مدحًا ولا ذمًا، واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏30‏].‏
وأيضًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم شبهها بالبهيمة المجتمعة الخلق، وشبه ما يطرأ عليها من الكفر بجَدْع الأنف، ومعلوم أن كمالها محمود، ونقصها مذموم، فكيف تكون قبل النقص لا محمودة ولا مذمومة‏؟‏ واللّه أعلم‏.‏