فصــل قول القائل التعجب‏ استعظام للمتعجب منه
 
فصــل
وأما قوله‏:‏ التعجب‏:‏ استعظام للمتعجب منه، فيقال نعم‏.‏ وقد يكون مقرونًا بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله ـ تعالى ـ بكل شىء عليم، فلا يجوز عليه ألا يعلم سبب ما تعجب منه، بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيمًا له‏.‏ والله ـ تعالى ـ يعظم ما هو عظيم؛ إما لعظمة سببه أو لعظمته‏.‏
فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم، ووصف بعض الشر بأنه عظيم، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏رّبٍَ بًعّرًشٌ بًعّظٌيمٌ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏62‏]‏، وقال‏:‏‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏87‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏66، 67‏]‏، وقال‏:‏‏{‏ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏16‏]‏، وقال‏:‏‏{‏ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏13‏]‏‏.‏
ولهذا قال تعالى‏:‏‏{‏ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏12‏]‏على قراءة الضم، فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما‏:‏‏[‏لقد عجب الله‏]‏،وفي لفظ في الصحيح‏:‏ ‏(‏لقد ضحِكَ الله الليلة من صنْعِكُمَا البارحة‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إن الرب ليعجب من عبده إذا قال‏:‏ رب اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت‏.‏ يقول‏:‏ علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، وقال‏:‏ ‏(‏عجب ربك من شَابّ ليست له صَبْوَة‏)‏ ‏[‏قوله‏:‏ ـ ليست له صبوة ـ أي‏:‏ ميل إلى الهوى‏]‏ ،وقال‏:‏ ‏(‏عجب ربك من راعي غنم على رأس شَظِيَّة، يؤذن ويقيم، فيقول الله‏:‏ انظروا إلى عبدي‏)‏ ‏[‏قوله‏:‏ ـ شظية ـ أي ‏:‏ قطعة مرتفعة في رأس الجبل انظر‏]‏ أو كما قال‏.‏ ونحو ذلك‏.‏