فَصْــل في الإرادة والمحبة والرضا |
فَصْــل
وكذلك في [الإرادة] و[المحبة] كقوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [الكهف:23، 24]، وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، وقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} [الإسراء:16]، وقوله: {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} [الرعد:11]، وقوله: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الإنسان: 28]، وقوله: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]، وأمثال ذلك في القرآن العزيز. فإن جوازم الفعل المضارع ونواصبه تخلصه للاستقبال، مثل [إن] و[أن]، وكذلك [إذا] ظرف لما يستقبل من الزمان، فقوله: {إِذَا أَرَادَ}[يس: 82]، و{إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] ونحو ذلك، يقتضي حصول إرادة مستقبلة ومشيئة مستقبلة. وكذلك في المحبة والرضا، قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران:31]، فإن هذا يدل على أنهم إذا اتبعوه أحبهم الله، فإنه جزم قوله: {يُحْبِبْكُمٍُ} به، فجزمه جوابًا للأمر، وهو في معنى الشرط، فتقديره:[إن تتبعوني يحببكم الله]. ومعلوم أن جواب الشرط والأمر إنما يكون بعده لا قبله، فمحبة الله لهم إنما تكون بعد اتباعهم للرسول، والمنازعون: منهم من يقول: ما ثم محبة بل المراد ثوابًا مخلوقًا، ومنهم من يقول: بل ثم محبة قديمة أزلية إما الإرادة وإما غيرها، والقرآن يدل على قول السلف أئمة السنة المخالفين للقولين. وكذلك قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:28]، فإنه يدل على أن أعمالهم أسخطته، فهي سبب لسخطه، وسخطه عليهم بعد الأعمال، لا قبلها، وكذلك قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55]، وكذلك قوله: {ن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]، علق الرضا بشكرهم وجعله مجزومًا جزاءً له، وجزاء الشرط لا يكون إلا بعده. وكذلك قوله: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]،و{يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76]، و{يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]، و{يٍحٌبٍَ بَّذٌينّ يٍقّاتٌلٍونّ فٌي سّبٌيلٌهٌ صّفَْا} [الصف:4]، ونحو ذلك، فإنه يدل على أن المحبة بسبب هذه الأعمال، وهى جزاء لها، والجزاء إنما يكون بعد العمل والمسبب. |