تفسير قوله : {ثم قست قلوبكم}
 
/ وقد ذم اللّه قسوة القلوب المنافية للخشوع في غير موضع، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ‏}‏‏[‏البقرة‏:‏74‏]‏‏.‏ قال الزجاج‏:‏ قَسَتْ في اللغة‏:‏ غَلُظَتْ ويَبِسَتْ وعَسِيَتْ‏.‏ فقسوة القلب، ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه‏.‏ والقاسي والعاسي‏:‏ الشديد الصلابة، وقال ابن قتيبة‏:‏ قَسَتْ وعَسَتْ وعَتَتْ، أي يَبِسَتْ‏.‏
وقوة القلب المحمودة غير قسوته المذمومة، فإنه ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، وليناً من غير ضعف‏.‏ وفي الأثر‏:‏ القلوب آنية اللّه في أرضه، فأحبها إلى اللّه أصلبها وأرقها وأصفاها‏.‏ وهذا كاليد فإنها قوية لينة، بخلاف ما يقسو من العقب،فإنه يابس لا لين فيه، وإن كان فيه قوة، وهو _ سبحانه _ ذكر وجل القلب من ذكره، ثم ذكر زيادة الإيمان عند تلاوة كتابه علماً وعملاً‏.‏
ثم لابد من التوكل على اللّه فيما لا يقدر عليه، ومن طاعته فيما يقدر عليه، وأصل ذلك الصلاة و الزكاة فمن قام بهذه الخمس كما أمر، لزم أن يأتي بسائر الواجبات‏.‏
بل الصلاة نفسها إذا فعلها كما أمر، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما روي عن ابن مسعود، وابن عباس‏:‏ أن في الصلاة منتهى ومزدجراً عن معاصي اللّه،فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر،لم يزدد بصلاته من اللّه إلا بعداً‏.‏وقوله‏:‏ لم يزدد إلابُعْداً، إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله، أبعده ترك الواجب الأكثر من اللّه أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل،وهذا/ كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يَرْقُبُ الشمس حتى إذا كانت بين قَرْنَي شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر اللّه فيها إلا قليلاً‏)‏، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏142‏]‏‏.‏
وفي السنن عن عَمَّار، عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال‏:‏‏(‏ إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها‏)‏،حتى قال‏:‏‏(‏إلا عشرها‏)‏،وعن ابن عباس قال‏:‏ ليس لك من صلاتك إلا ما عَقَلْت منها‏.‏ وهذا وإن لم يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء، لكن يؤمر بأن يأتي من التطوعات بما يجبر نقص فرضه‏.‏ ومعلوم أن من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن، وأعمالها الظاهرة، وكان يخشى اللّه الخشية التي أمره بها، فإنه يأتي بالواجبات، ولا يأتي كبيرة، ومن أتى الكبائر _ مثل الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، وغير ذلك _ فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه‏.‏ وهذا من الإيمان الذي ينزع منه عند فعل الكبيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو