تفسير قوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم}
 
مؤمن‏)‏‏.‏فإن المتقين كما وصفهم اللّه بقوله‏:‏‏{‏ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏201‏]‏،فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان/ تذكروا، فيبصرون‏.‏ قال سعيد بن جُبَيْر‏:‏ هو الرجل يغضب الغَضْبَة، فيذكر اللّه، فيَكْظِم الغَيْظ‏.‏ وقال لَيْثُ عن مجاهد‏:‏ هو الرجل يَهِمُّ بالذنب، فيذكر اللّه، فيدعه‏.‏ والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع،ثم قال‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏202‏]‏ أي‏:‏ وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي، ثم لا يقصرون‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ لا الإنس تقصر عن السيئات‏.‏ ولا الشياطين تمسك عنهم، فإذا لم يبصر بقي قلبه في غي، والشيطان يمده في غيه‏.‏ وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب‏.‏ فذلك النور والإبصار‏.‏ وتلك الخشية والخوف، يخرج من قلبه‏.‏ وهذا‏:‏ كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئًا، وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رَيْن الذنوب لا يبصر الحق‏.‏ وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر‏.‏
وهكذا جاء في الآثار‏:‏ قال أحمد بن حنبل في كتاب ‏[‏الإيمان‏]‏‏:‏ حدثنا يحيي، عن أشعث، عن الحسن، عن النبي صلىالله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏ ينزع منه الإيمان، فإن تاب أعيد إليه‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ حدثنا يحيي، عن عوف،قال‏:‏ قال الحسن‏:‏يجانبه الإيمان ما دام كذلك، فإن راجع راجعه الإيمان‏.‏ وقال أحمد‏:‏حدثنا معاوية عن أبي إسحاق، عن الأوزاعي، قال‏:‏ وقد قلت للزهري حين ذكر هذا الحديث‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏)‏‏:‏ فإنهم يقولون‏:‏ فإن لم يكن مؤمنا فما هو‏؟‏ قال‏:‏ فأنكر ذلك‏.‏ وكره مسألتي عنه‏.‏
وقال أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إبراهيم بن/ مهاجر، عن مجاهد،عن ابن عباس؛ أنه قال لغلمانه‏:‏ من أراد منكم الباءة زوجناه،لا يزني منكم زان إلا نزع اللّه منه نور الإيمان، فإن شاء أن يرده رده، وإن شاء أن يمنعه منعه‏.‏
وقال أبو داود السِّجِسْتَاني‏:‏حدثنا عبد الوهاب بن نجدة،حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد اللّه بن ربيعة الحضرمي؛ أنه أخبره عن أبي هريرة‏:‏أنه كان يقول‏:‏ إنما الإيمان كثوب أحدكم، يلبسه مرة ويقلعه أخرى،وكذلك رواه بإسناده عن عمر، وروى عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً‏.‏ وفي حديث عن أبي هريرة مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظُّلَّة، فإذَا انقطع رجع إليه الإيمان‏)‏‏.‏ وهذا _ إن شاء اللّه _ يبسط في موضع آخر‏.