فإن قيل‏:‏ الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان
 
فإن قيل‏:‏ الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان فإنه لا يبطل عند الصحابة وأهل السنة والجماعة بمجرد الذنب قيل أن إريد بالبطلان أنه لا تبرأ الذمة منها كلها فكذلك الايمان الواجب إذا ترك منه شيئا لم تبرأ الذمه منه كله وان أريد به وجوب الاعادة فهذا ليس على
الإطلاق فإن في الحج واجبات إذا تركها لم يعد، بل تجبر بدم وكذلك في الصلاة عند أكثر العلماء إذا تركها سهوا أو مطلقا وجبت الإعادة فإنما تجب إذا أمكنت الإعادة وإلا فما تعذرت إعادته يبقى مطالبا به كالجمعة ونحوها‏.‏
وإن أريد بذلك أنه لا يثاب على ما فعله فليس كذلك بل قد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسىء في صلاته أنه إذا لم يتمها يثاب على ما فعل ولا يكون بمنزلة من لم يصل وفي عدة أحاديث أن الفرائض تكمل يوم القيامة من النوافل فإذا كانت الفرائض مجبورة بثواب النوافل دل على أنه يعتدله بما فعل منها فكذلك الايمان إذا ترك منه شيئا كان عليه فعله ان كان محرما تاب منه وان كان واجبا فعله فإذا لم يفعله لم تبرأ ذمته منه وأثيب على ما فعله كسائر العبادات وقد دلت النصوص على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان‏.‏
وقد عدلت ‏[‏المرجئة‏]‏ في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم باحسان واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة، وهذه طريقة أهل البدع ولهذا كان الإمام أحمد يقول‏:‏ أكثر ما يخطىء الناس من جهة التأويل والقياس‏.‏ ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأولوه من اللغة ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين فلا يعتمدون لا على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم وإنما
يعتمدون على العقل واللغة وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار السلف وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التى وضعتها رؤوسهم وهذه طريقة الملاحدة أيضا إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة؛ وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتقون اليها‏.‏ هؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء إذ هى عندهم لا تفيد
العلم وأولئك يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم بلا آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد ذكرنا كلام أحمد وغيره في انكار هذا وجعله طريقة أهل البدع‏.‏ وإذا تدبرت حججهم وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل والقاضى أبو بكر الباقلاني نصر قول جهم في ‏[‏مسألة الإيمان‏]‏ متابعة لأبي الحسن الأشعرى وكذلك أكثر أصحابه فأما أبو العباس القلانسى وأبو على الثقفي، وأبو عبدالله بن مجاهد ـ شيخ القاضى أبي بكر وصاحب أبي الحسن ـ فإنهم نصروا مذهب السلف وابن كلاب ـ نفسه ـ والحسين بن الفضل البجلي ونحوهما كانوا يقولون‏:‏ هو التصديق والقول جميعا موافقة لمن قاله من فقهاء الكوفيين كحماد بن أبي سليمان، ومن اتبعه مثل أبي حنيفة وغيره‏.