فصــل احتجاجهم بحديث (من قال‏ لا إله إلا الله دخل الجنة)
 
/فصــل
وأما قول القائل‏:‏ من قال‏:‏ لا إله إلا الله دخل الجنة‏؟‏ واحتجاجه بالحديث المذكور‏.‏
فيقال له‏:‏ لا ريب أن الكتاب والسنة فيهما وعد ووعيد، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏10‏]‏، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ‏.‏ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏29، 30‏]‏، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة، والعبد عليه أن يصدق بهذا وبهذا، لا يؤمن ببعض ويكفر ببعض، فهؤلاء المشركون أرادوا أن يصدقوا بالوعد، ويكذبوا بالوعيد‏.‏
والحرورية والمعتزلة‏:‏ أرادوا أن يصدقوا بالوعيد دون الوعد، وكلاهما أخطأ، والذي عليه أهل السنة والجماعة، الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب، قد بين ـ سبحانه ـ أنه بشروط‏:‏ بألا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، وبألا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فإن الحسنات يذهبن/ السيئات وبألا يشاء الله أن يغفر له فـ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏48‏]‏، فهكذا الوعد له تفسير وبيان، فمن قال بلسانه‏:‏ لا إله إلا الله، وكذب الرسول، فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئًا مما أنزل الله‏.‏
فلابد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول، ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدًا، كان في النار، فالسيئات تحبطها التوبة، والحسنات تحبطها الردة، ومن كان له حسنات وسيئات، فإن الله لا يظلمه، بل من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، والله ـ تعالى ـ قد يتفضل عليه، ويحسن إليه بمغفرته ورحمته‏.‏
ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد في النار، فالزاني والسارق لا يخلد في النار، بل لابد أن يدخل الجنة، فإن النار يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهؤلاء المسؤول عنهم يسمون‏:‏ القدرية المباحية المشركين، وقد جاء في ذمهم من الآثار ما يضيق عنه هذا المكان، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏