فصــل :لأنهم قد صرحوا أنه ** على الإرادات لمقسور‏
 
/ فصــل
وأما قول الناظم السائل‏:‏
لأنهم قد صرحوا أنه ** على الإرادات لمقسور
فيقال له‏:‏ القسر على الإرادة منه‏.‏ إذا أريد به أنه جعله مريدًا فهذا حق، لكن تسمية مثل هذا قسرًا وإكراها وجبرًا تناقض لفظًا ومعنى، فإن المقسور المكره المجبور لا يكون مريدًا مختارًا محبًا راضيًا، والذي جعل مختارًا محبًا راضيا لا يقال إنه مقسور مكره مجبور‏.‏
وإذا قيل‏:‏ المراد بذلك أنه جعل مريدًا بمشيئة الله وقدرته بدون إرادة منه متقدمة، اختار بها أن يكون مريدًا‏.‏ قيل له‏:‏ هذا المعنى حق سواء سمى قسرًا، أو لم يسم‏.‏ ولكن هذا لا يناقض كونه مختارًا، فإن من جعل مريدًا مختار، قد أثبت له الإرادة والاختيار، والشيء لا يناقض ذاته ولا ملازمه، فلا يجوز أن يقال‏:‏ كيف يكون المختار قد جعل مختارًا، والمريد جعل مريدًا‏؟‏
وإذا قيل‏:‏ يخير على أن يكون مختارًا‏.‏ قيل‏:‏ معنى ذلك أن الله جعله / مختارًا بغير إرادة منه سابقة لأن يكون مختارًا، كما جعله قادرًا، وجعله عالمًا، وجعله حيًا، وجعله أسود وأبيض وطويلا وقصيرًا‏.‏ ومعلوم أن الله إذا جعله موصوفًا بصفة لم يناقض ذلك اتصافه بتلك الصفة، فإن الله إذا جعله على صفة كان كونه على تلك الصفة؛ لأن ما جعل الله له، فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإذا كان كونه مختارًا وعالمًا وقادرًا أمرًا ملازمًا لمشيئة الله وجعله، والمتلازمان لا يناقض أحدهما الآخر، بل يجامعه، ولا يفارقه، فيكون اختيار العبد مع إطلاق الجبر الذي يعني به أن الله جعله مختارًا أمرين متلازمين، لا أمرين متناقضين، ولا عجب من اجتماع المتلازمين، إنما العجب من تناقضهما‏.‏