فَصْــل في خلط متقدمي المتكلمين والمتصوفة كلامهم بأصول الكتاب والسنة
 
فَصْــل
ثم المتقدمون الذين وضعوا طرق الرأي والكلام والتصوف، وغير ذلك‏:‏ كانوا يخلطون ذلك بأصول من الكتاب / والسنة والآثار؛ إذ العهد قريب، وأنوار الآثار النبوية بعد فيها ظهور، ولها برهان عظيم، وإن كان عند بعض الناس قد اختلط نورها بظلمة غيرها‏.‏
فأما المتأخرون، فكثير منهم جرد ما وضعه المتقدمون، مثل من صنف في الكلام من المتأخرين، فلم يذكر إلا الأصول المبتدعة وأعرض عن الكتاب والسنة، وجعلهما إما فرعين، أو آمن بهما مجملًا، أو خرج به الأمر إلى نوع من الزندقة، ومتقدمو المتكلمين خيرمن متأخريهم‏.‏
وكذلك من صنف في الرأي فلم يذكر إلا رأي متبوعه وأصحابه، وأعرض عن الكتاب والسنة، ووزن ماجاء به الكتاب والسنة علـى رأي متبوعـه، ككثير من أتبـاع أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم‏.‏
وكذلك من صنف في التصوف والزهد، جعل الأصل ما روى عن متأخري الزهاد وأعرض عن طريق الصحابة والتابعين، كما فعل صاحب الرسالة أبوالقاسم القشيري، وأبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، وابن خميس الموصلي في ‏[‏مناقب الأبرار‏]‏، وأبو عبد الرحمن السلمي في ‏[‏تاريخ الصوفية‏]‏، لكن أبوعبد الرحمن صنف أيضا ‏[‏سير السلف‏]‏ من الأولياء والصالحين‏.‏ وسير الصالحين من السلف، كما صنف في سير الصالحين من الخلف ونحوهم، من ذكرهم لأخبار أهل / الزهد والأحوال، من بعد القرون الثلاثة، من عند إبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، ومن بعدهم، وإعراضهم عن حال الصحابة، والتابعين الذين نطق الكتاب والسنة بمدحهم، والثناء عليهم، والرضوان عنهم‏.‏
وكان أحسن من هذا أن يفعلوا، كما فعله أبو نعيم الأصبهاني في ‏[‏الحلية‏]‏ من ذكره للمتقدمين والمتأخرين‏.‏ وكذلك أبو الفرج بن الجوزي في ‏[‏صفوة الصفوة‏]‏ وكذلك أبو القاسم التيمي في ‏[‏سير السلف‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏، وكذلك ابن أسد بن موسى، إن لم يصعدوا إلى طريقة عبد اللّه بن المبارك، وأحمد بن حنبل، وهناد بن السرى وغيرهم في كتبهم في الزهد، فهذا هذا‏.‏ واللّه أعلم وأحكم‏.‏
فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها‏.‏ ومعرفة الدين وأصله، وأصل ما تولد فيه من أعظم العلوم نفعًا‏.‏ إذ المرء ما لم يحط علمًا بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها، يبقى في قلبه حسكة‏.‏
وكان للزهاد، عدة أسماء‏:‏ يسمون بالشام الجوعية، ويسمون بالبصرة الفقرية، والفكرية، ويسمون بخراسان المغاربة، ويسمون أيضًا الصوفية والفقراء‏.‏