سئل عن ‏[‏الفتوة‏]‏ المصطلح عليها ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ
 
/وسئل عن ‏[‏الفتوة‏]‏ المصطلح عليها ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏
فأجاب ـ رضي اللّه عنه ـ قائلًا ‏:‏
أما ما ذكره من ‏[‏الفتوة‏]‏ التي يلبس فيها الرجل لغيره سراويل، ويسقيه ماء وملحًا؛ فهذا لا أصل له‏.‏ ولم يفعلها أحد من السلف لا علي ولا غيره‏.‏ والإسناد الذي يذكرونه في ‏[‏الفتوة‏]‏ إلى أمير المؤمنين‏:‏علي بن أبي طالب، من طريقة الخليفة الناصر وغيره، إسناد مظلم، عامة رجاله مجاهيل لا يعرفون وليس لهم ذكر عند أهل العلم‏.‏
وقد ذكر أن أصل ذلك‏:‏ أنه وضع سراويل عند قبر علي فأصبح مسدودًا، وهذا يجري عند غير علي، كما يجري أمثال ذلك من الأمور التي يظن أنها كرامة، في الكنائس وغيرها، مثل دخول مصروع إليها فيبرأ بنذر يجعل للكنيسة، ونحو ذلك‏.‏ وهذا إذا لم يكن كذبًا فإنه من فعل الشياطين‏.‏ كما يفعل مثل ذلك عند الأوثان، وأنا أعرف من ذلك وقائع متعددة‏.‏
/والمقصود هنا أن سراويل الفتوة لا أصل له عن علي ولا غيره من السلف، وما يشترطه بعضهم من الشروط، إن كان مما أمر اللّه به ورسوله، فإنه يفعل؛ لأن اللّه أمر به ورسوله، وما نهى عنه مثل التعصب لشخص على شخص، والإعانة على الإثم والعدوان، فهو مما ينهي عنه، ولو شرطوه‏.‏
ولفظ ‏[‏الفتى‏]‏ في اللغة هو الشـاب، كما ذكر ذلك أهل اللغة‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏36‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏13‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاه‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏60‏]‏‏.‏ وقد فتى يفتي فهو فتى، أي بين الفتا، والأفتا من الدواب خلاف المسان، وقد يعبر بالفتى عن المملوك مطلقًا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏25‏]‏‏.‏
ولما كان الشاب ألين عريكة من الشيخ صار في طبعه من السخاء والكرم ما لا يوجد في الشيوخ‏.‏ فصاروا يعبرون بلفظ الفتى عن السخي الكريم‏.‏ يقال‏:‏ هو فتى بين الفتوة وقد يفتى، ويفاتى، والجمع فتيان وفتية‏.‏
واستعمال لفظ الفتى بمعنى المتصف بمكارم الأخلاق موجود في كلام كثير من المشائخ،وقد يظن أن لفظ القرآن يدل على هذا‏.‏ومنه قول بعض الشيوخ‏:‏طريقنا تفتى وليس تنصر، يعني هو استعمال مكارم /الأخلاق؛ ليس هو النسك اليابس‏.‏ ومنه قول أبي إسماعيل الأنصاري ‏[‏أبو إسماعيل الأنصارى‏:‏ هو عبد الله بن محمد بن على بن محمد بن أحمد بن على بن جعفر بن متَّ الأنصارى الهروىّ، مصنف كتاب ‏[‏ذم الكلام‏]‏، وشيخ خراسان، من ذرية صاحب النبى صلى الله عليه وسلم أبى أيوب الأنصارى‏.‏ ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة‏.‏ توفى فى ذي الحجة سنة 481 هـ‏.‏ ‏[‏ سير أعلام النبلاء‏:‏ 18/503 ــ 518‏]‏‏:‏ الفتوة أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتحسن إلى من يسيء إليك، سماحة لا كظما، وموادة لا مصابرة‏.‏
ونقل عن أحمد بن حنبل - رضي اللّه عنه - أنه قال‏:‏ الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏40‏]‏‏.‏ فمن دعا إلى ما دعا إليه اللّه ورسوله من مكارم الأخلاق كان محسنًا، سواء سمى ذلك فتوة أو لم يسمه، ومن أحدث في دين اللّه ما ليس منه فهو رد‏.‏
والغالب أنهم يدخلون في الفتوة أمورًا ينهى عنها فينهون عن ذلك، ويؤمرون بما أمر اللّه به ورسوله، كما ينهون عن الإلباس، والإسقاء‏.‏ وإسناد ذلك إلى علي ـ رضي اللّه عنه ـ وأمثال ذلك‏.‏