سئل عمن يقول إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى
 
/وسئل ـ رحمه الله ـ عمن يقول‏:‏ إن الشكل، والنقط من كلام الله تبارك وتعالى، وهل ذلك حق أم باطل‏؟‏ وما الحكم في الأحرف‏؟‏ هل هي كلام الله أم لا‏؟‏ بينوا لنا ذلك مثابين مأجورين‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين‏.‏ المصاحف التي كتبها الصحابة لم يشكلوا حروفًا، ولم ينقطوها؛ فإنهم كانوا عربًا لا يلحنون، ثم بعد ذلك في أواخر عصر الصحابة لما نشأ اللحن صاروا ينقطون المصاحف ويشكلونها وذلك جائز عند أكثر العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكرهه بعضهم، والصحيح أنه لا يكره؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولا نزاع بين العلماء أن حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة، فإن النقط تميز بين الحروف،والشكل يبين الإعراب؛ لأنه كلام من تمام الكلام،ويروي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا‏:‏ ‏[‏إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه‏]‏ فإذا قرأ القارئ ‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏2‏]‏ كانت الضمة والفتحة والكسرة من تمام لفظ القرآن‏.‏
وإذا كان كذلك فالمداد الذي يكتب به الشكل والنقط كالمداد الذي / يكتب به الحروف، والمداد كله مخلوق، ليس منه شىء غير مخلوق‏.‏ والصوت الذي يقرأ به الناس القرآن هو صوت العباد؛ لكن الكلام كلام الله تعالى، قال تعالى‏:‏‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 6‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القارئ، وهذا ليس هو الصوت الذي ينادي الله به عباده، ويسمعه موسى وغيره، كما دل على ذلك الكتاب والسنة‏.‏
وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضًا يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم،لم يزل متكلما إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس ‏[‏النداء‏]‏ الذي نادى به موسى ونحو ذلك فحينئذ ناداه به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏11‏]‏، وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏109‏]‏‏.‏ وكلام الله وما يدخل في كلامه من ندائه‏.‏وغير ذلك ليس بمخلوق بائن منه، بل هو منه، والقرآن سمعه جبريل من الله، ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏102‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏114‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏1‏]‏ ونحو ذلك‏.‏
/ والنبي صلى الله عليه وسلم بلغه إلي الأمة، والمسلمون يسمعه بعضهم من بعض، وليس ذلك كسماع موسي كلام الله، فإنه سمعه بلا واسطة والذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله لا كلام غيره وهم يقرؤونه بأصواتهم، ويكتبونه بمدادهم في ورقهم‏.‏ وأفعالهم، وأصواتهم، ومدادهم، مخلوق‏.‏
والقرآن الذي يقرؤونه ويكتبونه هو كلام الله تعالي غير مخلوق، سواء قرؤوا قراءة يثابون عليها أو لايثابون عليها، وسواء كتبوه مشكولا منقوطًا أو كتبوه غير مشكول ولا منقوط؛ فإن ذلك لا يخرجه عن أن يكون المكتوب هو القرآن، وهو كلام الله الذي أنزله علي محمد صلى الله عليه وسلم، وما بين اللوحين كلام الله، سواء كان مشكولا منقوطًا، أو كان غير مشكول ولا منقوط، وكلام الله منزل غير مخلوق، وأصوات العباد والمداد مخلوقان، والقرآن العربي كلام الله تكلم به ليس بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله، وليس لجبريل ولا لمحمد منه إلا التبليغ، لم يحدث واحد منهما شيئًا من حروفه، بل الجميع كلام الله تبارك وتعالى‏.‏
وهذه ‏[‏المسائل‏]‏ مبسوطة في غير هذا الجواب؛ ولكن هذا قدر ما وسعته هذه الورقة‏.‏ والله أعلم‏.‏