الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :وَاعْلَمْ - جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ حَاكِمًا لَك وَعَلَيْك
 

بسم الله الرحمن الرحيم

وَاعْلَمْ - جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ حَاكِمًا لَك وَعَلَيْك، وَالْحَقَّ قَائِدًا لَك وَإِلَيْك - أَنَّ الدُّنْيَا إذَا وَصَلَتْ فَتَبِعَاتٌ مُوبِقَةٌ، وَإِذَا فَارَقَتْ فَفَجَعَاتٌ مُحْرِقَةٌ. وَلَيْسَ لِوَصْلِهَا دَوَامٌ وَلاَ مِنْ فِرَاقِهَا بُدٌّ، فَرُضْ نَفْسَك عَلَى قَطِيعَتِهَا لِتَسْلَمَ مِنْ تَبِعَاتِهَا، وَعَلَى فِرَاقِهَا لِتَأْمَنَ فَجِعَاتِهَا. فَقَدْ قِيلَ: الْمَرْءُ مُقْتَرِضٌ مِنْ عُمُرِهِ الْمُنْقَرِضِ. مَعَ أَنَّ الْعُمُرَ وَإِنْ طَالَ قَصِيرٌ، وَالْفَرَاغَ وَإِنْ تَمَّ يَسِيرٌ. وَأَنْشَدْت لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رحمه الله تعالى: إذَا كَمُلَتْ لِلْمَرْءِ سِتُّونَ حِجَّةً فَلَمْ يَحْظَ مِنْ سِتِّينَ الا بِسُدْسِهَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ النِّصْفَ بِاللَّيْلِ حَاصِلٌ وَتَذْهَبُ أَوْقَاتُ الْمَقِيلِ بِخُمْسِهَا فَتَأْخُذُ أَوْقَاتُ الْهُمُومِ بِحِصَّةٍ وَأَوْقَاتُ أَوْجَاعٍ تُمِيتُ بِمُسِنِّهَا فَحَاصِلُ مَا يَبْقَى لَهُ سُدُسُ عُمُرِهِ إذَا صَدَّقَتْهُ النَّفْسُ عَنْ عِلْمِ حَدْسِهَا وَرِيَاضَةُ نَفْسِك، لِذَلِكَ، تَتَرَتَّبُ عَلَى أَحْوَالٍ ثَلاَثٍ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِنْهَا تَتَشَعَّبُ، وَهِيَ لِتَسْهِيلِ مَا يَلِيهَا سَبَبٌ. فَالْحَالَةُ الاولَى: أَنْ تَصْرِفَ حُبَّ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِك فَإِنَّهَا تُلْهِيك عَنْ آخِرَتِك، وَلاَ تَجْعَلْ سَعْيَك لَهَا فَتَمْنَعَك حَظَّك مِنْهَا، وَتَوَقَّ الرُّكُونَ إلَيْهَا، وَلاَ تَكُنْ آمِنًا لَهَا. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَشْرَبَ قَلْبَهُ حُبَّ الدُّنْيَا وَرَكَنَ إلَيْهَا الْتَاطَ مِنْهَا بِشُغْلٍ لاَ يَفْرُغُ عَنَاهُ، وَأَمَلٍ لاَ يَبْلُغُ مُنْتَهَاهُ، وَحِرْصٍ لاَ يُدْرِكُ مَدَاهُ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ -: الدُّنْيَا لاَبْلِيسَ مَزْرَعَةٌ وَأَهْلُهَا لَهُ حُرَّاثٌ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سُمُّهَا، فَأَعْرِضْ عَمَّا أَعْجَبَك مِنْهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُك مِنْهَا، وَضَعْ عَنْك هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْت مِنْ فِرَاقِهَا، وَكُنْ أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا وَأَنْتَ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا، فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ عَنْهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ سَكَنَ مِنْهَا إلَى إينَاسٍ أَزَالَهُ عَنْهَا إيحَاشٌ وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الدُّنْيَا لاَ تَصْفُو لِشَارِبٍ، وَلاَ تَبْقَى لِصَاحِبٍ، وَلاَ تَخْلُو مِنْ فِتْنَةٍ، وَلاَ تُخَلِّي مِحْنَةً، فَأَعْرِضْ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ تُعْرِضَ عَنْك، وَاسْتَبْدِلْ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِك، فَإِنَّ نَعِيمَهَا يَتَنَقَّلُ، وَأَحْوَالَهَا تَتَبَدَّلُ، وَلَذَّاتِهَا تَفْنَى، وَتَبِعَاتِهَا تَبْقَى. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اُنْظُرْ إلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ الْمُفَارِقِ لَهَا، وَلاَ تَتَأَمَّلْهَا تَأَمُّلَ الْعَاشِقِ الْوَامِقِ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: الا إنَّمَا الدُّنْيَا كَأَحْلاَمِ نَائِمِ وَمَا خَيْرُ عَيْشٍ لاَ يَكُونُ بِدَائِمِ تَأَمَّلْ إذَا مَا نِلْت بِالامْسِ لَذَّةً فَأَفْنَيْتَهَا هَلْ أَنْتَ الا كَحَالِمِ فَكَمْ غَافِلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ بِغَافِلِ وَكَمْ نَائِمٍ عَنْهُ وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ الا يُعْصَى الا فِيهَا، وَلاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ الا بِتَرْكِهَا}. وَرَوَى سُفْيَانُ أَنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى عليهما السلام: يَا مُوسَى أَعْرِضْ عَنْ الدُّنْيَا وَانْبِذْهَا وَرَاءَك فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَك بِدَارٍ، وَلاَ فِيهَا مَحَلُّ قَرَارٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الدُّنْيَا لِلْعِبَادِ؛ لِيَتَزَوَّدُوا مِنْهَا لِلْمَعَادِ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: الدُّنْيَا قَنْطَرَةٌ فَاعْبُرُوهَا وَلاَ تَعْمُرُوهَا. وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَصِفُ الدُّنْيَا: أَوَّلُهَا عَنَاءٌ، وَآخِرُهَا فَنَاءٌ، حَلاَلُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عِقَابٌ، مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ وَمَنْ مَرِضَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا أَتَتْهُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَيْهَا أَعْمَتْهُ، وَمَنْ نَظَرَ بِهَا بَصِرَتْهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إنَّ الدُّنْيَا تُقْبِلُ إقْبَالَ الطَّالِبِ، وَتُدْبِرُ إدْبَارَ الْهَارِبِ، وَتَصِلُ وِصَالَ الْمَلُولِ، وَتُفَارِقُ فِرَاقَ الْعُجُولِ، فَخَيْرُهَا يَسِيرٌ، وَعَيْشُهَا قَصِيرٌ، وَإِقْبَالُهَا خَدِيعَةٌ، وَإِدْبَارُهَا فَجِيعَةٌ، وَلَذَّاتُهَا فَانِيَةٌ، وَتَبِعَاتُهَا بَاقِيَةٌ، فَاغْتَنَمَ غَفْوَةَ الزَّمَانِ، وَانْتَهَزَ فُرْصَةَ الامْكَانِ، وَخُذْ مِنْ نَفْسِك لِنَفْسِك، وَتَزَوَّدْ مِنْ يَوْمِك لِغَدِكَ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَثَلُ الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ مَثَلُ ضَرَّتَيْنِ إنْ أَرْضَيْت إحْدَاهُمَا أَسْخَطْت الاخْرَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الدُّنْيَا مَنَازِلُ، فَرَاحِلٌ وَنَازِلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا إمَّا نِقْمَةٌ نَازِلَةٌ، وَإِمَّا نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مِنْ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا دَلِيلٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: تَمَتَّعْ مِنْ الايَّامِ إنْ كُنْت حَازِمًا فَإِنَّك مِنْهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ إذَا أَبْقَتْ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ فَلَنْ تَعْدِلَ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلاَ وَزْنَ ذَرٍّ مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنٍ وَلاَ رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاءً لِكَافِرِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {الدُّنْيَا يَوْمَانِ: يَوْمُ فَرَحٍ وَيَوْمُ هَمٍّ، وَكِلاَهُمَا زَائِلٌ عَنْك فَدَعُوا مَا يَزُولُ، وَأَتْعِبُوا نُفُوسَكُمْ فِي الْعَمَلِ لِمَا لاَ يَزُولُ}.

وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: لاَ تُنَازِعُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ فَيُنَازِعُوكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَلاَ دُنْيَاهُمْ أَصَبْتُمْ، وَلاَ دِينَكُمْ أَبْقَيْتُمْ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ، فَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ. يَعْجَزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، وَيَنْهَى النَّاسَ وَلاَ يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لاَ يَأْتِي. يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلاَ يَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ، وَيُبْغِضُ الطَّالِحِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الدُّنْيَا كُلُّهَا غَمٌّ فَمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ سُرُورٍ فَهُوَ رِيحٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الدُّنْيَا كَثِيرَةُ التَّغْيِيرِ، سَرِيعَةُ التَّنْكِيرِ، شَدِيدَةُ الْمَكْرِ، دَائِمَةُ الْغَدْرِ، فَاقْطَعْ أَسْبَابَ الْهَوَى عَنْ قَلْبِك، وَاجْعَلْ أَبْعَدَ أَمْلِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِك، وَكُنْ كَأَنَّك تَرَى ثَوَابَ أَعْمَالِك وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا إمَّا مُصِيبَةٌ مُوجِعَةٌ، وَإِمَّا مَنِيَّةٌ مُفْجِعَةٌ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: خَلِّ دُنْيَاك إنَّهَا يَعْقُبُ الْخَيْرَ شَرُّهَا هِيَ أُمٌّ تَعُقُّ مِنْ نَسْلِهَا مَنْ يَبَرُّهَا كُلُّ نَفْسٍ فَإِنَّهَا تَبْتَغِي مَا يَسُرُّهَا وَالْمَنَايَا تَسُوقُهَا وَالامَانِي تَغُرُّهَا فَإِذَا اسْتَحْلَتْ الْجَنَى أَعْقَبَ الْحُلْوَ مُرُّهَا يَسْتَوِي فِي ضَرِيحِهِ عَبْدُ أَرْضٍ وَحُرُّهَا فَإِذَا رَضَتْ نَفْسُك مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا وَصَفْت اعْتَضْت مِنْهَا بِثَلاَثِ خِلاَلٍ: إحْدَاهُنَّ: أَنْ تَكْفِيَ إشْفَاقَ الْمُحِبِّ وَحَذَرَ الْوَامِقِ فَلَيْسَ لِمُشْفِقٍ ثِقَةٌ، وَلاَ لِحَاذِرٍ رَاحَةٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَأْمَنَ الاغْتِرَارَ بِمَلاَهِيهَا فَتَسْلَمَ مِنْ عَادِيَةِ دَوَاهِيهَا، فَإِنَّ اللاَهِيَ بِهَا مَغْرُورٌ، وَالْمَغْرُورُ فِيهَا مَذْعُورٌ. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ تَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ السَّعْيِ لَهَا، وَوَصَبِ الْكَدِّ فِيهَا، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا طَلَبَهُ، وَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا كَدَّ لَهُ، وَالْمَكْدُودُ فِيهَا شَقِيٌّ إنْ ظَفِرَ وَمَحْرُومٌ إنْ خَابَ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبٍ: {يَا كَعْبُ، النَّاسُ غَادِيَانِ: فَغَادٍ بِنَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا، وَمُوبِقُ نَفْسَهُ فَمُوثِقُهَا}. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليهما السلام: تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَلاَ تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تُرْزَقُونَ فِيهَا الا بِعَمَلٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا أَنْ لاَ تَبْقَى عَلَى حَالَةٍ، وَلاَ تَخْلُوَ مِنْ اسْتِحَالَةٍ، تُصْلِحُ جَانِبًا بِإِفْسَادِ جَانِبٍ، وَتَسُرُّ صَاحِبًا بِمُسَاءَةِ صَاحِبٍ، فَالرُّكُونُ إلَيْهَا خَطَرٌ، وَالثِّقَةُ بِهَا غَرَرٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا مُرْتَجِعَةُ الْهِبَةِ وَالدَّهْرُ حَسُودٌ لاَ يَأْتِي عَلَى شَيْءٍ الا غَيَّرَهُ وَلِمَنْ عَاشَ حَاجَةٌ لاَ تَنْقَضِي. وَلَمَّا بَلَغَ مَزْدَكُ مِنْ الدُّنْيَا أَفْضَلَ مَا سَمَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ نَبَذَهَا وَقَالَ: هَذَا سُرُورٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ غُرُورٌ، وَنَعِيمٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ عَدِيمٌ، وَمُلْكٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ هَلَكٌ، وَغَنَاءٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ فَنَاءٌ، وَجَسِيمٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ ذَمِيمٌ، وَمَحْمُودٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ مَفْقُودٌ، وَغِنًى، لَوْلاَ أَنَّهُ مُنًى، وَارْتِفَاعٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ اتِّضَاعٌ، وَعَلاَءٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ بَلاَءٌ، وَحُسْنٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ حُزْنٌ، وَهُوَ يَوْمٌ لَوْ وُثِقَ لَهُ بِغَدٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: قَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْ رَاغِبٍ وَزَاهِدٍ، فَلاَ الرَّاغِبُ فِيهَا اسْتَبْقَتْ، وَلاَ عَنْ الزَّاهِدِ فِيهَا كَفَّتْ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: هِيَ الدَّارُ دَارُ الاذَى وَالْقَذَى وَدَارُ الْفَنَاءِ وَدَارُ الْغِيَرْ فَلَوْ نِلْتهَا بِحَذَافِيرِهَا لَمِتَّ وَلَمْ تَقْضِ مِنْهَا الْوَطَرْ أَيَا مَنْ يُؤَمِّلُ طُولَ الْخُلُودِ وَطُولُ الْخُلُودِ عَلَيْهِ ضَرَرْ إذَا مَا كَبِرْت وَبَانَ الشَّبَابُ فَلاَ خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ الْكِبَرْ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَعَيْنٍ لاَ تَدْمَعُ. هَلْ يَتَوَقَّعُ أَحَدُكُمْ الا غِنًى مُطْغِيًا أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُقَيِّدًا، أَوْ الدَّجَّالَ فَهُوَ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.

وَحُكِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام أَنْ هَبْ لِي مِنْ قَلْبِك الْخُشُوعَ، وَمِنْ بَدَنِك الْخُضُوعَ، وَمِنْ عَيْنِك الدُّمُوعَ، فَإِنِّي قَرِيبٌ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام أَوْحَى اللَّهُ إلَى الدُّنْيَا: مَنْ خَدَمَنِي فَاخْدِمِيهِ، وَمَنْ خَدَمَك فَاسْتَخْدِمِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: زِدْ مِنْ طُولِ أَمَلِك فِي قَصِيرِ عَمَلِك، فَإِنَّ الدُّنْيَا ظِلُّ الْغَمَامِ، وَحُلْمُ النِّيَامِ، فَمَنْ عَرَفَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، وَحُرِمَ التَّوْفِيقَ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لاَ يُؤَمِّنَنَّكَ إقْبَالُ الدُّنْيَا عَلَيْك مِنْ إدْبَارِهَا عَنْك، وَلاَ دَوْلَةٌ لَك مِنْ إذَالَةٍ مِنْك. وَقَالَ آخَرُ: مَا مَضَى مِنْ الدُّنْيَا كَمَا لَمْ يَكُنْ، وَمَا بَقِيَ مِنْهَا كَمَا قَدْ مَضَى. وَقِيلَ لِزَاهِدٍ: قَدْ خَلَعْت الدُّنْيَا فَكَيْفَ سَخَتْ نَفْسُك عَنْهَا ؟ فَقَالَ: أَيْقَنْت أَنِّي أَخْرُجُ مِنْهَا كَارِهًا، فَرَأَيْت أَنْ أَخْرُجَ مِنْهَا طَائِعًا. وَقِيلَ لِحُرْقَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ: مَا لَك تَبْكِينَ ؟ فَقَالَتْ: رَأَيْت لِأَهْلِي غَضَارَةً، وَلَنْ تَمْتَلِئَ دَارٌ فَرَحًا، الا امْتَلاَتْ تَرَحًا. وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: مَنْ جَرَّعَتْهُ الدُّنْيَا حَلاَوَتَهَا بِمَيْلِهِ إلَيْهَا، جَرَّعَتْهُ الاخِرَةُ مَرَارَتَهَا لِتَجَافِيهِ عَنْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ: طَالِبُ الدُّنْيَا كَشَارِبِ مَاءِ الْبَحْرِ كُلَّمَا ازْدَادَ شُرْبًا ازْدَادَ عَطَشًا.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الابْيَاتِ: نَهَارُك يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ وَلَيْلُك نَوْمٌ وَالاسَى لَك لاَزِمُ تُسَرُّ بِمَا يَفْنَى وَتَفْرَحُ بِالْمُنَى كَمَا سُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ وَشُغْلُك فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ وَسَمِعَ رَجُلٌ رَجُلاً يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: لاَ أَرَاك اللَّهُ مَكْرُوهًا، فَقَالَ: كَأَنَّك دَعَوْت عَلَى صَاحِبِك بِالْمَوْتِ، إنَّ صَاحِبَك مَا صَاحَبَ الدُّنْيَا فَلاَ بُدَّ أَنْ يَرَى مَكْرُوهًا. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: إنَّ الزَّمَانَ وَلَوْ يَلِينُ لِأَهْلِهِ لَمُخَاشِنُ خُطُوَاتُهُ الْمُتَحَرِّكَاتُ كَأَنَّهُنَّ سَوَاكِنُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: مِنْ أَحْوَالِ رِيَاضَتِك لَهَا أَنْ تُصَدِّقَ نَفْسَك فِيمَا مَنَحَتْك مِنْ رَغَائِبِهَا، وَأَنَالَتْك مِنْ غَرَائِبِهَا فَتَعْلَمَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ فِيهَا مُرْتَجَعَةٌ، وَالْمِنْحَةَ فِيهَا مُسْتَرَدَّةٌ، بَعْدَ أَنْ تُبْقِي عَلَيْك مَا احْتَقَنَتْ مِنْ أَوْزَارِ وُصُولِهَا إلَيْك، وَخُسْرَانِ خُرُوجِهَا عَنْك. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ ثَلاَثٍ: شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ}. وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمَالِ ثَلاَثُ خِصَالٍ. قَالُوا: وَمَا هُنَّ يَا رُوحَ اللَّهِ ؟ قَالَ: يَكْسِبُهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ. قَالُوا: فَإِنْ كَسَبَهُ مِنْ حِلِّهِ ؟ قَالَ: يَضَعُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. قَالُوا: فَإِنْ وَضَعَهُ فِي حَقِّهِ ؟ قَالَ: يَشْغَلُهُ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ. وَدَخَلَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَا الْمَخْرَجُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ: تَنْظُرْ مَا عِنْدَك فَلاَ تَضَعْهُ الا فِي حَقِّهِ، وَمَا لَيْسَ عِنْدَك فَلاَ تَأْخُذْهُ الا بِحَقِّهِ. قَالَ: وَمَنْ يُطِيقُ هَذَا يَا أَبَا حَازِمٍ ؟ قَالَ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُلِئَتْ جَهَنَّمُ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وَعَيَّرَتْ الْيَهُودُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام بِالْفَقْرِ فَقَالَ: مِنْ الْغِنَى دُهِيتُمْ. وَدَخَلَ قَوْمٌ مَنْزِلَ عَابِدٍ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا دَارَ مُقَامٍ لاَتَّخَذْنَا لَهَا أَثَاثًا. وَقِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّادِ: الا تُوصِي ؟ قَالَ: بِمَاذَا أُوصِي وَاَللَّهِ مَا لَنَا شَيْءٌ، وَلاَ لَنَا عِنْدَ أَحَدٍ شَيْءٌ، وَلاَ لِأَحَدٍ عِنْدَنَا شَيْءٌ. اُنْظُرْ إلَى هَذِهِ الرَّاحَةِ كَيْفَ تَعَجَّلَهَا وَإِلَى السَّلاَمَةِ كَيْفَ صَارَ إلَيْهَا. وَلِذَلِكَ قِيلَ: الْفَقْرُ مِلْكٌ لَيْسَ فِيهِ مُحَاسَبَةٌ. وَقِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام: الا تَتَزَوَّجُ ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نُحِبُّ التَّكَاثُرَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ. وَقِيلَ: لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَك حِمَارًا ؟ فَقَالَ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَنِي خَادِمَ حِمَارٍ. وَقِيلَ لِأَبِي حَازِمٍ رضي الله عنه: مَا مَالُك ؟ قَالَ: شَيْئَانِ: الرِّضَى عَنْ اللَّهِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ. وَقِيلَ لَهُ: إنَّك لَمِسْكِينٌ. فَقَالَ: كَيْفَ أَكُونُ مِسْكِينًا وَمَوْلاَيَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: رُبَّ مَغْبُوطٍ بِمَسَرَّةٍ هِيَ دَاؤُهُ، وَمَرْحُومٍ مِنْ سَقَمٍ هُوَ شِفَاؤُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: النَّاسُ أَشْتَاتٌ وَلِكُلِّ جَمْعٍ شَتَاتٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الزُّهْدُ بِصِحَّةِ الْيَقِينِ، وَصِحَّةُ الْيَقِينِ بِنُورِ الدِّينِ، فَمَنْ صَحَّ يَقِينُهُ زَهِدَ فِي الثَّرَاءِ، وَمَنْ قَوِيَ دِينُهُ أَيْقَنَ بِالْجَزَاءِ، فَلاَ تَغُرَّنَّكَ صِحَّةُ نَفْسِك، وَسَلاَمَةُ أَمْسِك، فَمُدَّةُ الْعُمُرِ قَلِيلَةٌ، وَصِحَّةُ النَّفْسِ مُسْتَحِيلَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: رُبَّ مَغْرُوسٍ يُعَاشُ بِهِ عَدِمَتْهُ عَيْنُ مُغْتَرِسِهْ وَكَذَاك الدَّهْرُ مَأْتَمُهُ أَقْرَبُ الاشْيَاءِ مِنْ عُرْسِهْ فَإِذَا رَضَتْ نَفْسُك مِنْ هَذِهِ الْحَالِ بِمَا وَصَفْت اعْتَضْت مِنْهَا ثَلاَثَ خِلاَلٍ: إحْدَاهُنَّ: نُصْحُ نَفْسِك وَقَدْ اسْتَسْلَمَتْ إلَيْك، وَالنَّظَرُ لَهَا وَقَدْ اعْتَمَدَتْ عَلَيْك، فَإِنَّ غَاشَّ نَفْسِهِ مَغْبُونٌ، وَالْمُنْحَرِفَ عَنْهَا مَأْفُونٌ. وَالثَّانِيَةُ: الزُّهْدُ فِيمَا لَيْسَ لَك لِتُكْفَى تَكَلُّفَ طَلَبِهِ وَتَسْلَمَ مِنْ تَبِعَاتِ كَسْبِهِ. وَالثَّالِثَةُ: انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ فِي مَالِك أَنْ تَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَنْ تُؤْتِيَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، لِيَكُونَ لَك ذُخْرًا، وَلاَ يَكُونَ عَلَيْك وِزْرًا. فَقَدْ رُوِيَ {أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَكْرَهُ الْمَوْتَ. قَالَ: أَلَكَ مَالٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدِّمْ مَالَك فَإِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ مَالِهِ}. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: {ذَبَحْنَا شَاةً فَتَصَدَّقْنَا بِهَا. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقِيَ الا كَتِفُهَا. قَالَ: كُلُّهَا بَقِيَ الا كَتِفَهَا}.

وَحُكِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ بَاعَ دَارًا بِثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقِيلَ لَهُ: اتَّخَذَ لِوَلَدِك مِنْ هَذَا الْمَالِ ذُخْرًا. فَقَالَ: أَنَا أَجْعَلُ هَذَا الْمَالَ ذُخْرًا لِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْعَلُ اللَّهَ ذُخْرًا لِوَلَدِي، وَتَصَدَّقَ بِهَا. وَعُوتِبَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ أَكَانَ يُبْقِي فِي الاولَى شَيْئًا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَبِي حَازِمٍ: مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ، وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنْ الْعُمْرَانِ إلَى الْخَرَابِ. وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: تَرَكَ زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لَكِنَّهَا لاَ تَتْرُكُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً الا وَعَلَيْهِ فِيهَا تَبِعَةٌ الا سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد عليه السلام فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنْ عُوفِينَا مِنْ شَرِّ مَا أُعْطِينَا لَمْ يَضُرَّنَا فَقْدُ مَا زُوِيَ عَنَّا. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قَدِّمُوا كُلاً لِيَكُونَ لَكُمْ، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاً فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: نِعْمَ الْقَوْمُ السُّؤَالُ يَدُقُّونَ أَبْوَابَكُمْ يَقُولُونَ أَتُوَجِّهُونَ لِلْآخِرَةِ شَيْئًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَرَّ بِي صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ فَمَا تَمَالَكْتُ أَنْ نَهَضْتُ إلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ، اُدْعُ لِي. فَقَالَ: رَغَّبَك اللَّهُ فِيمَا يَبْقَى، وَزَهَّدَك فِيمَا يَفْنَى، وَوَهَبَ لَك الْيَقِينَ الَّذِي لاَ تَسْكُنُ النَّفْسُ الا إلَيْهِ، وَلاَ يُعَوَّلُ فِي الدِّينِ الا عَلَيْهِ. وَلَمَّا ثَقُلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ رَأَى غَسَّالا يَلْوِي بِيَدِهِ ثَوْبًا فَقَالَ: وَدِدْت أَنِّي كُنْت غَسَّالا لاَ أَعِيشُ الا بِمَا أَكْتَسِبُهُ يَوْمًا فَيَوْمًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَازِمٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلاَ نَتَمَنَّى نَحْنُ عِنْدَهُ مَا هُمْ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي. وَهَلْ لَك يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِك الا مَا أَكَلْت فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ}. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: بِتُّ لَيْلَتِي أَتَمَنَّى فَكَسَبْتُ الْبَحْرَ الاخْضَرَ وَالذَّهَبَ الاحْمَرَ، فَإِذَا يَكْفِينِي مِنْ ذَلِكَ رَغِيفَانِ وَكُوزَانِ وَطِمْرَانِ. وَقَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: يَا ابْنَ آدَمَ تُؤْتَى كُلَّ يَوْمٍ بِرِزْقِك وَأَنْتَ تَحْزَنُ، وَيَنْقُصُ عُمُرُك وَأَنْتَ لاَ تَحْزَنُ، تَطْلُبُ مَا يُطْغِيك وَعِنْدَك مَا يَكْفِيك.

وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُلُوكِ يَوْمٌ وَاحِدٌ. أَمَّا أَمْسِ فَقَدْ مَضَى فَلاَ يَجِدُونَ لَذَّتَهُ. وَإِنَّا وَهُمْ مِنْ غَدٍ عَلَى وَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: تَعَزَّ عَنْ الشَّيْءِ إذَا مُنِعْته لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُك إذَا أُعْطِيتَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَرَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الدُّنْيَا اسْتَوْفَى حَظَّهُ مِنْ الاخِرَةِ. وَقَالَ آخَرُ: تَرْكُ التَّلَبُّسِ بِالدُّنْيَا قَبْلَ التَّشَبُّثِ بِهَا أَهْوَنُ مِنْ رَفْضِهَا بَعْدَ مُلاَبَسَتَهَا. وَقَالَ آخَرُ: لِيَكُنْ طَلَبُك لِلدُّنْيَا اضْطِرَارًا، وَتَذَكُّرُك فِي الامُورِ اعْتِبَارًا، وَسَعْيُك لِمَعَادِك ابْتِدَارًا. وَقَالَ آخَرُ: الزَّاهِدُ لاَ يَطْلُبُ الْمَفْقُودَ حَتَّى يَفْقِدَ الْمَوْجُودَ. وَقَالَ آخَرُ: مَنْ آمَنَ بِالاخِرَةِ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى الدُّنْيَا، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْمُجَازَاةِ لَمْ يُؤْثِرْ عَلَى الْحُسْنَى. وَقَالَ آخَرُ: مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: أَرَى الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ عَذَابًا كُلَّمَا كَثُرَتْ لَدَيْهِ تُهِينُ الْمُكْرِمِينَ لَهَا بِصِغَرٍ وَتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ إذَا اسْتَغْنَيْت عَنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ وَخُذْ مَا أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَحَكَى الاصْمَعِيُّ رحمه الله قَالَ: دَخَلْت عَلَى الرَّشِيدِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَوْمًا وَهُوَ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ.

فَلَمَّا أَبْصَرَنِي قَالَ: أَرَأَيْت مَا كَانَ مِنِّي ؟ قُلْت: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَمَّا إنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَمْرِ الدُّنْيَا مَا كَانَ هَذَا. ثُمَّ رَمَى إلَيَّ بِالْقِرْطَاسِ فَإِذَا فِيهِ شِعْرُ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ رحمه الله تعالى: هَلْ أَنْتَ مُعْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ مِنْهُ غَدَاةَ قَضَى دَسَاكِرُهُ وَبِمَنْ أَذَلَّ الدَّهْرُ مَصْرَعَهُ فَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ عَسَاكِرُهُ وَبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أَسِرَّتُهُ وَتَعَطَّلَتْ مِنْهُ مَنَابِرُهُ أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ عِزُّهُمْ صَارُوا مَصِيرًا أَنْتَ صَائِرُهُ يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا لِلَذَّتِهِ وَالْمُسْتَعِدُّ لِمَنْ يُفَاخِرُهُ نَلْ مَا بَدَا لَك أَنْ تَنَالَ مِنْ الدُّ نْيَا فَإِنَّ الْمَوْتَ آخِرُهُ فَقَالَ الرَّشِيدُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: وَاَللَّهِ لِكَأَنِّي أُخَاطَبُ بِهَذَا الشَّعْرِ دُونَ النَّاسِ، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ الا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ رحمه الله.

ثُمَّ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ أَحْوَالِ رِيَاضَتِك لَهَا أَنْ تَكْشِفَ لِنَفْسِك حَالَ أَجَلِك، وَتَصْرِفَهَا عَنْ غُرُورِ أَمَلِكَ حَتَّى لاَ يُطِيلُ لَك الامَلُ أَجَلاً قَصِيرًا، وَلاَ يُنْسِيك مَوْتًا وَلاَ نُشُورًا. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ: {أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الايَّامَ تُطْوَى، وَالاعْمَارَ تَفْنَى، وَالابْدَانَ تُبْلَى، وَإِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَرَاكَضَانِ كَتَرَاكُضِ الْبَرِيدِ، يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُخْلِقَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَفِي ذَلِكَ عِبَادَ اللَّهِ مَا أَلْهَى عَنْ الشَّهَوَاتِ، وَرَغَّبَ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ}. وَقَالَ مِسْعَرٌ كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا وَلَيْسَ يَسْتَكْمِلُهُ، وَمُنْتَظِرٍ غَدًا وَلَيْسَ مِنْ أَجَلِهِ. وَلَوْ رَأَيْتُمْ الاجَلَ وَمَسِيرَهُ، لاَبْغَضْتُمْ الامَلَ وَغُرُورَهُ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الانْصَارِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ. أُولَئِكَ الاكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الاخِرَةِ}.

وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: كَمَا تَنَامُونَ كَذَلِكَ تَمُوتُونَ، وَكَمَا تَسْتَيْقِظُونَ كَذَلِكَ تُبْعَثُونَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إنْ قُلْتُمْ سَمِعَ، وَإِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ، وَبَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إنْ هَرَبْتُمْ أَدْرَكَكُمْ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ. وَقَالَ الْعَلاَءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ قَبْلَ الْمَوْتِ شَيْءٌ الا وَالْمَوْتُ أَشَدُّ مِنْهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْءٌ الا الْمَوْتُ أَيْسَرُ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنَّ لِلْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبَرًا، وَلِلْآخِرِ بِالاوَّلِ مُزْدَجَرًا، وَالسَّعِيدُ لاَ يَرْكَنُ إلَى الْخُدَعِ، وَلاَ يَغْتَرُّ بِالطَّمَعِ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: إنَّ بَقَاءَك إلَى فَنَاءٍ، وَفَنَاءَك إلَى بَقَاءٍ، فَخُذْ مِنْ فَنَائِك الَّذِي لاَ يَبْقَى؛ لِبَقَائِك الَّذِي لاَ يَفْنَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَيُّ عَيْشٍ يَطِيبُ، وَلَيْسَ لِلْمَوْتِ طَبِيبٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي مِنْ عُمُرِهِ إلَى غَايَةٍ تَنْتَهِي إلَيْهَا مُدَّةُ أَجَلِهِ، وَتَنْطَوِي عَلَيْهَا صَحِيفَةُ عَمَلِهِ، فَخُذْ مِنْ نَفْسِك لِنَفْسِك، وَقِسْ يَوْمَك بِأَمْسِك، وَكَفَّ عَنْ سَيِّئَاتِك، وَزِدْ فِي حَسَنَاتِك قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مُدَّةَ الاجَلِ وَتُقَصِّرْ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي السَّعْيِ وَالْعَمَلِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنَّوَائِبِ تَعَرَّضَتْ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: مَا لِلْمَقَابِرِ لاَ تُجِيبُ إذَا دَعَاهُنَّ الْكَئِيبُ حُفَرٌ مُسَقَّفَةٌ عَلَيْهِنَّ الْجَنَادِلُ وَالْكَثِيبُ فِيهِنَّ وِلْدَانٌ وَأَطْفَالٌ وَشُبَّانٌ وَشِيبُ كَمْ مِنْ حَبِيبٍ لَمْ تَكُنْ نَفْسِي بِفُرْقَتِهِ تَطِيبُ غَادَرْته فِي بَعْضِهِنَّ مُجَنْدَلاً وَهُوَ الْحَبِيبُ وَسَلَوْت عَنْهُ وَإِنَّمَا عَهْدِي بِرُؤْيَتِهِ قَرِيبُ وَوَعَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فَقَالَ: {أَقْلِلْ مِنْ الدُّنْيَا تَعِشْ حُرًّا، وَأَقْلِلْ مِنْ الذُّنُوبِ يَهُنْ عَلَيْك الْمَوْتُ، وَانْظُرْ حَيْثُ تَضَعُ وَلَدَك فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ}. وَقَالَ الرَّشِيدُ لِابْنِ السَّمَّاكِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: عِظْنِي وَأَوْجِزْ. فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّك أَوَّلُ خَلِيفَةٍ يَمُوتُ. وَعَزَّى أَعْرَابِيٌّ رَجُلاً عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّاهُ مِمَّا هَهُنَا مِنْ الْكَدَرِ، وَخَلَّصَهُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَطَرِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ عَمِلَ لِلْآخِرَةِ أَحْرَزَهَا وَالدُّنْيَا، وَمَنْ آثَرَ الدُّنْيَا حُرِمَهَا وَالاخِرَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: اسْتَغْنِمْ تَنَفُّسَ الاجَلِ، وَإِمْكَانَ الْعَمَلِ، وَاقْطَعْ ذِكْرَ الْمَعَاذِيرِ وَالْعِلَلِ، فَإِنَّك فِي أَجَلٍ مَحْدُودٍ، وَنَفَسٍ مَعْدُومٍ، وَعُمُرٍ غَيْرِ مَمْدُودٍ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الطَّبِيبُ مَعْذُورٌ، إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الْمَحْذُورِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: اعْمَلْ عَمَلَ الْمُرْتَحِلِ فَإِنَّ حَادِيَ الْمَوْتِ يَحْدُوك، لِيَوْمٍ لَيْسَ يَعْدُوك. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: غَرَّ جَهُولاً أَمَلُهْ يَمُوتُ مَنْ جَا أَجَلُهْ وَمَنْ دَنَا مِنْ حَتْفِهِ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ حِيَلُهْ وَمَا بَقَاءُ آخِرٍ قَدْ غَابَ عَنْهُ أَوَّلُهْ وَالْمَرْءُ لاَ يَصْحَبُهُ فِي الْقَبْرِ الا عَمَلُهْ وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: لاَ تَأْمَنْ الْمَوْتَ فِي لَحْظٍ وَلاَ نَفَسِ وَإِنْ تَمَنَّعْتَ بِالْحُجَّابِ وَالْحَرَسِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاصِدَةٌ لِكُلِّ مُدَرَّعٍ مِنْهَا وَمُتَّرَسِ تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ فَإِذَا رَضَتْ نَفْسُك مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا وَصَفْت اعْتَضْت مِنْهَا ثَلاَثَ خِلاَلٍ: إحْدَاهَا: أَنْ تُكْفَى تَسْوِيفَ أَمَلٍ يُرْدِيك، وَتَسْوِيلَ مُحَالٍ يُؤْذِيك. فَإِنَّ تَسْوِيفَ الامَلِ غِرَارٌ، وَتَسْوِيلَ الْمُحَالِ ضِرَارٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَسْتَيْقِظَ لِعَمَلِ آخِرَتِك، وَتَغْتَنِمَ بَقِيَّةَ أَجَلِك بِخَيْرِ عَمَلِك. فَإِنَّ مَنْ قَصَّرَ أَمَلَهُ، وَاسْتَقَلَّ أَجَلَهُ، حَسُنَ عَمَلُهُ. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَهُونَ عَلَيْك نُزُولُ مَا لَيْسَ عَنْهُ مَحِيصٌ، وَيَسْهُلَ عَلَيْك حُلُولُ مَا لَيْسَ إلَى دَفْعِهِ سَبِيلٌ. فَإِنَّ مَنْ تَحَقَّقَ أَمْرًا تَوَطَّأَ لِحُلُولِهِ، فَهَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ نُزُولِهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: {نَبِّهْ بِالتَّفَكُّرِ قَلْبَك، وَجَافٍ عَنْ النَّوْمِ جَنْبَك، وَاتَّقِ اللَّهَ رَبَّك}. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: عِظْنِي. فَقَالَ: ارْضَ بِالْقَوْتِ وَخَفْ مِنْ الْفَوْتِ، وَاجْعَلْ صَوْمَك الدُّنْيَا وَفِطْرَك الْمَوْتَ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: مَا رَأَيْت يَقِينًا لاَ شَكَّ فِيهِ، أَشْبَهَ بِشَكٍّ لاَ يَقِين فِيهِ، مِنْ يَقِينٍ نَحْنُ فِيهِ. فَلَئِنْ كُنَّا مُقِرِّينَ إنَّا لِحَمْقَى، وَلَئِنْ كُنَّا جَاحِدِينَ إنَّا لَهَلْكَى. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: نَهَارُك ضَيْفُك فَأَحْسِنْ إلَيْهِ فَإِنَّك إنْ أَحْسَنْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِحَمْدِك، وَإِنْ أَسَأْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِذَمِّك، وَكَذَلِكَ لَيْلُك. وَقَالَ الْجَاحِظُ، فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وُجِدَ مَكْتُوبًا فِي حَجَرٍ: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ رَأَيْت يَسِيرَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِك، لَزَهِدْت فِي طَوِيلِ مَا تَرْجُو مِنْ أَمَلِك، وَلَرَغِبْت فِي الزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِك، وَلَقَصَّرْت مِنْ حِرْصِك وَحِيَلِك، وَإِنَّمَا يَلْقَاك غَدًا نَدَمُك، لَوْ قَدْ زَلَّتْ بِك قَدَمُك، وَأَسْلَمَك أَهْلُك وَحَشَمُك، وَتَبَرَّأَ مِنْك الْقَرِيبُ، وَانْصَرَفَ عَنْك الْحَبِيبُ. وَلَمَّا حَضَرَ بِشْرَ بْنَ مَنْصُورٍ الْمَوْتُ فَرِحَ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْرَحُ بِالْمَوْتِ ؟ فَقَالَ: أَتَجْعَلُونَ قُدُومِي عَلَى خَالِقٍ أَرْجُوهُ كَمُقَامِي مَعَ مَخْلُوقٍ أَخَافُهُ ؟ وَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: لَوْ أَرْسَلْت إلَى الطَّبِيبِ ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي. قَالُوا: فَمَا قَالَ لَك ؟ قَالَ: قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ. وَقِيلَ لِلرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَقَدْ اعْتَلَّ: نَدْعُو لَك بِالطَّبِيبِ ؟ قَالَ: قَدْ أَرَدْت ذَلِكَ فَذَكَرْت عَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَعَلِمْت أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ الدَّاءُ وَالْمُدَاوِي فَهَلَكُوا جَمِيعًا. وَسَأَلَ أَنُوشِرْوَانَ: مَتَى يَكُونُ عَيْشُ الدُّنْيَا أَلَذَّ ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَهُ فِي حَيَاتِهِ مَعْمُولاً. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ نَسِيَ الامْنِيَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: عَنْ الْمَوْتِ تَسَلْ، وَهُوَ كَرِيشَةٍ تُسَلُّ، وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الامَلُ حِجَابُ الاجَلِ.

وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الادَبِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: وَلَوْ أَنَّا إذَا مُتْنَا تُرِكْنَا لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ وَلَكِنَّا إذَا مُتْنَا بُعِثْنَا وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيِّ وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: الا إنَّمَا الدُّنْيَا مَقِيلٌ لِرَاكِبٍ قَضَى وَطَرًا مِنْ مَنْزِلٍ ثُمَّ هَجَّرَا وَرَاحَ وَلاَ يَدْرِي عَلاَمَ قُدُومُهُ الا كُلُّ مَا قَدَّمْت تَلْقَى مُوَفَّرَا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اكْسِبْ طَيِّبًا، وَاعْمَلْ صَالِحًا، وَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، وَاعْدُدْ نَفْسَك مِنْ الْمَوْتَى}. وَكَتَبَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَم إلَى أَخٍ لَهُ: قَدِّمْ جَهَازَك، وَافْرَغْ مِنْ زَادِك، وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِك وَالسَّلاَمُ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَصَابَ الدُّنْيَا مَنْ حَذِرَهَا، وَأَصَابَتْ الدُّنْيَا مَنْ أَمِنَهَا. وَمَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بِقَوْمٍ فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ زُهَّادٌ. فَقَالَ: مَا قَدْرُ الدُّنْيَا حَتَّى يُحْمَدَ مَنْ زَهِدَ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّعِيدُ مَنْ اعْتَبَرَ بِأَمْسِهِ، وَاسْتَظْهَرَ لِنَفْسِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ جَمَعَ لِغَيْرِهِ وَبَخِلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لاَ تَبِتْ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ إنْ كُنْت مِنْ جِسْمِك فِي صِحَّةٍ، وَمِنْ عُمُرِك فِي فُسْحَةٍ، فَإِنَّ الدَّهْرَ خَائِنٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ كَائِنٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُهُ وَالْقَبْرَ مَسْكَنُهُ وَالْبَعْثَ مُخْرِجُهُ وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارٍ سَتُنْضِجُهُ فَكُلُّ شَيْءٍ سِوَى التَّقْوَى بِهِ سَمْجٌ وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَسْمَجُهُ تَرَى الَّذِي اتَّخَذَ الدُّنْيَا لَهُ وَطَنًا لَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَنَايَا سَوْفَ تُزْعِجُهُ وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ: {أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلَى نِهَايَتِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ مَعَالِمَ فَانْتَهُوا إلَى مَعَالِمِكُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: أَجَلٍ قَدْ مَضَى لاَ يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، وَأَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يَدْرِي مَا اللَّهُ قَاضٍ فِيهِ. فَلْيَتَزَوَّدْ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنْ الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ وَأَنْتُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ. فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَلاَ بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٍ، الا الْجَنَّةُ أَوْ النَّارُ}.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: أَمْسُ أَجَلٌ، وَالْيَوْمُ عَمَلٌ، وَغَدًا أَمَلٌ. فَأَخَذَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ شَعْرًا: لَيْسَ فِيمَا مَضَى وَلاَ فِي الَّذِي يَأْتِيك مِنْ لَذَّةٍ لِمُسْتَحْلِيهَا إنَّمَا أَنْتَ طُولَ عُمُرِك مَا عَمَرْت فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا عَلِّلْ النَّفْسَ بِالْكَفَافِ وَالا طَلَبَتْ مِنْك فَوْقَ مَا يَكْفِيهَا وَقِيلَ لِزَاهِدٍ: مَا لَك تَمْشِي عَلَى الْعَصَا وَلَسْت بِكَبِيرٍ وَلاَ مَرِيضٍ ؟ فَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنِّي مُسَافِرٌ وَأَنَّهَا دَارُ بُلْغَةٍ وَإِنَّ الْعَصَا مِنْ آلَةِ السَّفَرِ. فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ: حَمَلْت الْعَصَا لاَ الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا عَلَيَّ وَلاَ أَنِّي تَحَنَّيْت مِنْ كِبَرِ وَلَكِنَّنِي أَلْزَمْت نَفْسِي حَمْلَهَا لِأُعْلِمَهَا أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى سَفَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ: الدُّنْيَا سَاعَةٌ، فَاجْعَلْهَا طَاعَةً. وَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ رضي الله عنه: رَتَعْنَا فِي الدُّنْيَا جَاهِلِينَ، وَعِشْنَا فِيهَا غَافِلِينَ، وَأُخْرِجْنَا مِنْهَا كَارِهِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: الْمَرْءُ أَسِيرُ عُمُرٍ يَسِيرٍ. وَقِيلَ فِي بَعْضِ الْمَوَاعِظِ: عَجَبًا لِمَنْ يَخَافُ الْعِقَابَ كَيْفَ لاَ يَكُفَّ عَنْ الْمَعَاصِي، وَعَجَبًا لِمَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ كَيْفَ لاَ يَعْمَلُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْمُسِيءُ مَيِّتٌ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَيَاةِ، وَالْمُحْسِنُ حَيٌّ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الامْوَاتِ، وَكُلٌّ بِالاثَرِ يَوْمُهُ أَوْ غَدُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى أَلْسِنَةٍ تَصِفُ، وَقُلُوبٍ تَعْرِفُ، وَأَعْمَالٍ تُخَالِفُ. وَقَالَ آخَرُ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَعْمَلاَنِ فِيك فَاعْمَلْ فِيهِمَا. وَقَالَ آخَرُ: اعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ فِي هَذِهِ الايَّامِ الَّتِي تَسِيرُ، كَأَنَّهَا تَطِيرُ. وَقَالَ آخَرُ: الْمَوْتُ قُصَارَاك، فَخُذْ مِنْ دُنْيَاك لِأُخْرَاك. وَقَالَ آخَرُ: عِبَادَ اللَّهِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ، فَوَاَللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ، حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ، وَلَقَدْ أَمْهَلَ، حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ. وَقَالَ آخَرُ: الايَّامُ صَحَائِفُ أَعْمَالِكُمْ، فَخَلِّدُوهَا أَجْمَلَ أَفْعَالِكُمْ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: اقْبَلْ نُصْحَ الْمَشِيبِ وَإِنْ عَجَّلَ.

وَقِيلَ: مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ، الا وَعَظَتْ بِأَمْسٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ رحمه الله: مَضَى أَمْسُك الادْنَى شَهِيدًا مُعَدَّلاً وَيَوْمُك هَذَا بِالْفِعَالِ شَهِيدُ فَإِنْ تَكُ بِالامْسِ اقْتَرَفَتْ إسَاءَةً فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ وَلاَ تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ مِنْك إلَى غَدٍ لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَا رَأَيْت مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَمَا رَأَيْت مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا}. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليهما السلام: الا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إلَى ظَاهِرِهَا، وَإِلَى آجِلِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إلَى عَاجِلِهَا، فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَ قُلُوبَهُمْ، وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: النَّاسُ طَالِبَانِ يَطْلُبَانِ: فَطَالِبٌ يَطْلُبُ الدُّنْيَا فَارْفُضُوهَا فِي نَحْرِهِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدْرَكَ الَّذِي يَطْلُبُهُ مِنْهَا فَهَلَكَ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَطَالِبٌ يَطْلُبُ الاخِرَةَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبًا يَطْلُبُ الاخِرَةَ فَنَافِسُوهُ فِيهَا.

الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانهُ وَتَعَالَى

الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :فَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي يَمْنَعُ الشَّرْعُ مِنْهَا

الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِيمَا كُلِّفَ مِنْ عِبَادَاتِهِ

الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :وَاعْلَمْ - جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ حَاكِمًا لَك وَعَلَيْك

الْبَابُ الثَّالِثُ أَدَبُ الدِّينِ :مَا لِي أَرَاكُمْ تَبْنُونَ مَا لاَ تَسْكُنُونَ