فصــل في ذكر الأسماء الثلاثة‏:‏‏(‏الرحمن‏)‏ و ‏(‏ربى‏)‏ و ‏(‏الإله‏)ـ
 
فصــل
قال الله ـ عز وجل ـ فى أول السورة‏:‏‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏2‏]‏ فبدأ بهذين الاسمين‏:‏الله،والرب‏.‏
و‏(‏الله‏)‏ هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال‏:‏ الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله لا إله إلا الله‏.‏
و‏(‏الرب‏)‏ هو المربى الخالق الرازق الناصر الهادى‏.‏ وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة؛ ولهذا يقال‏:‏‏{‏رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ‏}‏‏[‏نوح‏:‏28‏]‏،‏{‏قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏‏[‏ الأعراف‏:‏23‏]‏،‏{‏رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏16‏]‏، ‏{‏ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏147‏]‏،‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏‏[‏البقرة‏:‏286‏]‏، فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب‏.‏
فالاسم الأول يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خلق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله، والاسم الثانى يتضمن خلق العبد ومبتداه، وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثانى يدخل فى الأول دخول الربوبية فى الإلهية، والربوبية تستلزم الألوهية أيضاً، والاسم ‏(‏الرحمن‏)‏ يتضمن كمال التعلقين، وبوصف الحالين فيه تتم سعادته فى دنياه وأخراه‏.‏
ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏30‏]‏،فذكر هنا الأسماء الثلاثة‏:‏‏(‏الرحمن‏)‏ و ‏(‏ربى‏)‏ و ‏(‏الإله‏)‏، وقال‏:‏ ‏{‏عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ‏}‏ كما ذكر الأسماء الثلاثة فى أم القرآن، لكن بدأ هناك باسم اللّه؛ ولهذا بدأ فى السورة بـ ‏{‏إيَّاكّ نّعًبٍد ‏}‏ فقدم الاسم وما يتعلق به من العبادة؛ لأن تلك السورة فاتحة الكتاب وأم القرآن، فقدم فيها المقصود الذي هو العلة الغائية، فإنها علة فاعلىة للعلة الغائية ‏.‏ وقد بسطت هذا المعنى فى مواضع؛ فى أول ‏(‏التفسير‏)‏ وفى ‏(‏قاعدة المحبة والإرادة‏)‏ وفي غير ذلك ‏.‏