فصــل في كيفية شهادة الرب تبارك وتعالى
 
فصــل
وشهادة الرب وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة، وبفعله تارة‏.‏
فالقول‏:‏هو ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه،وأوحاه إلى عباده كما قال‏:‏ ‏{‏يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ‏}‏‏[‏النحل‏:‏ 2‏]‏، إلى غير ذلك من الآيات‏.‏
وقد علم بالتواتر والاضطرار أن جميع الرسل أخبروا عن اللّّه أنه شهد ويشهد أن لا إله إلا هو بقوله وكلامه، وهذا معلوم من جهة كل من بلغ عنه كلامه؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏24‏]‏‏.‏
وأما شهادته بفعله فهو ما نصبه من الأدلة الدالة على وحدانيته التى تعلم دلالتها بالعقل، وإن لم يكن هناك خبر عن الله، وهذا يستعمل فيه لفظ الشهادة والدلالة والإرشاد، فإن الدليل يبين المدلول عليه ويظهره، فهو بمنزلة المخبر به الشاهد به، كما قيل‏:‏ سل الأرض‏:‏ من فجر أنهارها، وغرس أشجارها، وأخرج ثمارها، وأحيا نباتها، وأغطش ليلها، وأوضح نهارها، فإن لم تجبك حواراً، أجابتك اعتباراً‏.‏
وهو ـ سبحانه ـ شهد بما جعلها دالة عليه فإن دلالتها إنما هي بخلقه لها‏.‏ فإذا كانت المخلوقات دالة على أنه لا إله إلا هو، وهو ـ سبحانه ـ الذى جعلها دالة عليه، فإن دلالتها إنما هى بخلقه، وبين ذلك، فهو الشاهد المبين بها أنه لا إله إلا هو، وهذه الشهادة الفعلية ذكرها طائفة‏.‏ قال ابن كيسان ‏[‏هو أبو الحسن محمد بن إبراهيم، عالم بالعربية، نحوا ولغة‏.‏ من أهل بغداد، له تصانيف فى القراءات والغريب والنحو، منها‏:‏ ‏"‏المهذب‏"‏ فى النحو، و‏"‏غريب الحديث‏"‏ وتوفى فى ذى القعدة سنة 299 هـ‏]‏‏:‏‏{‏شَهِدَ اللهُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏18‏]‏ بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه أنه لا إله إلا هو‏.

الموضوع السابق


سورة آل عمران