فصــل في قوله تعالى {وهو العزيز الحكيم}
 
فصــل
وقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏18‏]‏ إثبات لعزته وحكمته، وفيها رد على الطائفتين الجبرية والقدرية ـ فإن الجبرية ـ أتباع جهم ـ ليس له عندهم فى الحقيقة حكمة؛ ولهذا لما أرادت الأشعرية أن تفسر حكمته فسروها إما بالقدرة، وإما بالعلم، وإما بالإرادة‏.‏
ومعلوم أنه ليس فى شىء من ذلك إثبات لحكمته؛ فإن القادر والعالم والمريد قد يكون حكيمًا وقد لا يكون، والحكمة أمر زائد على ذلك، وهم ويقولون‏:‏ إن الله لا يفعل لحكمة، ويقولون أيضاً‏:‏ الفعل لغرض إنما يكون ممن ينتفع ويتضرر، ويتألم ويلتذ؛ وذلك ينفى عن الله‏.‏
والمعتزلة أثبتوا أنه يفعل لحكمة، وسموا ذلك غرضاً، هم وطائفة من المثبتة؛ لكن قالوا‏:‏ الحكمة أمر منفصل عنه لا يقوم به، كما قالوا فى كلامه وإرادته، فاستطال عليهم المجبرة بذلك، فقالوا‏:‏ الحكيم‏:‏ من يفعل لحكمة تعود إلى نفسه، فإن لم تعد إلى نفسه لم يكن حكيماً بل كان سفيهاً‏.‏
فيقال للمجبرة‏:‏ ما نفيتم به الحكمة هو بعينه حجة من نفى الإرادة من المتفلسفة ونحوهم، قالوا‏:‏ الإرادة لا تكون إلا لمن ينتفع ويتضرر، ويتألم ويلتذ، وإثبات إرادة بدون هذا لا يعقل، وأنتم تقولون‏:‏ نحن موافقون للسلف وسائر أهل السنة على إثبات الإرادة، فما كان جوابا لكم عن هذا السؤال فهو جواب سائر أهل السنة لكم، حيث أثبتم إرادة بلا حكمة يراد الفعل لها‏.‏ وقد بسط هذا فى غير هذا الموضع، وبين ما فى لفظ هذه الحجة من الكلمات المجملة، والله أعلم‏.‏