الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :وَأَمَّا النَّسَبُ
 

بسم الله الرحمن الرحيم

فَصْلٌ

وَأَمَّا النَّسَبُ: وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الالْفَةِ فَلِأَنَّ تَعَاطُفَ الارْحَامِ وَحَمِيَّةَ الْقَرَابَةِ يَبْعَثَانِ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالالْفَةِ، وَيَمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاذُلِ وَالْفُرْقَةِ، أَنَفَةً مِنْ اسْتِعْلاَءِ الابَاعِدِ عَلَى الاقَارِبِ، وَتَوَقِّيًا مِنْ تَسَلُّطِ الْغُرَبَاءِ الاجَانِبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ الرَّحِمَ إذَا تَمَاسَّتْ تَعَاطَفَتْ}. وَلِذَلِكَ حَفِظَتْ الْعَرَبُ أَنْسَابَهَا لَمَّا امْتَنَعَتْ عَنْ سُلْطَانٍ يَقْهَرُهَا وَيَكُفُّ الاذَى عَنْهَا لِتَكُونَ بِهِ مُتَظَافِرَةً عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، مُتَنَاصِرَةً عَلَى مَنْ شَاقَّهَا وَعَادَاهَا، حَتَّى بَلَغَتْ بِأُلْفَةِ الانْسَابِ تَنَاصُرَهَا عَلَى الْقَوِيِّ الايِّدِ وَتَحَكَّمَتْ بِهِ تَحَكُّمَ الْمُتَسَلِّطِ الْمُتَشَطِّطِ. وَقَدْ أَعْذَرَ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ عليه السلام نَفْسَهُ حِينَ عَدِمَ عَشِيرَةً تَنْصُرُهُ، فَقَالَ لِمَنْ بُعِثَ إلَيْهِمْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. يَعْنِي عَشِيرَةً مَانِعَةً.

وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. يَعْنِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا الا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ}. وَقَالَ وَهْبٌ: لَقَدْ وَرَدَتْ الرُّسُلُ عَلَى لُوطٍ وَقَالُوا: إنَّ رُكْنَك لَشَدِيدٌ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، {أَنَّهُ كَانَ لاَ يَتْرُكُ الْمَرْءَ مُفْرَجًا حَتَّى يَضُمَّهُ إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ فِيهَا}. قَالَ الرِّيَاشِيُّ: الْمُفْرَجُ الَّذِي لاَ يَنْتَمِي إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ مِنْهَا.

وَكُلُّ ذَلِكَ حَثٌّ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الالْفَةِ وَكَفٌّ عَنْ الْفُرْقَةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ}. وَإِذَا كَانَ النَّسَبُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الالْفَةِ فَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ عَوَارِضُ تَمْنَعُ مِنْهَا، وَتَبْعَثُ عَلَى الْفُرْقَةِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا. فَإِذَنْ قَدْ لَزِمَ أَنْ نَصِفَ حَالَ الانْسَابِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الاسْبَابِ. فَجُمْلَةُ الانْسَابِ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَالِدُونَ، وَقِسْمٌ مَوْلُودُونَ، وَقِسْمٌ مُنَاسِبُونَ. وَلِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَةٌ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَعَارِضٌ يَطْرَأُ فَيَبْعَثُ عَلَى الْعُقُوقِ وَالْقَطِيعَةِ. فَأَمَّا الْوَالِدُونَ فَهُمْ الابَاءُ وَالامَّهَاتُ وَالاجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ. وَهُمْ مَوْسُومُونَ مَعَ سَلاَمَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لاَزِمٌ بِالطَّبْعِ، وَالثَّانِي حَادِثٌ بِاكْتِسَابٍ. فَأَمَّا مَا كَانَ لاَزِمًا بِالطَّبْعِ فَهُوَ الْحَذَرُ وَالاشْفَاقُ. وَذَلِكَ لاَ يَنْتَقِلُ عَنْ الْوَالِدِ بِحَالٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْهَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ}. فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَذَرَ عَلَيْهِ يُكْسِبُ هَذِهِ الاوْصَافَ، وَيُحْدِثُ هَذِهِ الاخْلاَقَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ طَلَبَ الْوَلَدِ كَرَاهَةً لِهَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، لِلُزُومِهَا طَبْعًا، وَحُدُوثِهَا حَتْمًا. وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليهما السلام: مَا بَالُك تَكْرَهُ الْوَلَدَ ؟ فَقَالَ: مَا لِي وَلِلْوَلَدِ، إنْ عَاشَ كَدَّنِي، وَإِنْ مَاتَ هَدَّنِي.

وَقِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام: الا تَتَزَوَّجُ ؟ فَقَالَ: إنَّمَا يُحَبُّ التَّكَاثُرُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ. وَأَمَّا مَا كَانَ حَادِثًا بِالاكْتِسَابِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي تُنَمَّى مَعَ الاوْقَاتِ، وَتَتَغَيَّرُ مَعَ تَغَيُّرِ الْحَالاتِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {الْوَلَدُ أَنْوَطُ}. يَعْنِي أَنَّ حُبَّهُ يَلْتَصِقُ بِنِيَاطِ الْقَلْبِ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ، وَثَمَرَةُ الْقَلْبِ الْوَلَدُ}. فَإِنْ انْصَرَفَ الْوَالِدُ عَنْ حُبِّ الْوَلَدِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِبَعْضٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ لِسَلْوَةٍ حَدَثَتْ مِنْ عُقُوقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، مَعَ بَقَاءِ الْحَذَرِ وَالاشْفَاقِ الَّذِي لاَ يَزُولُ عَنْهُ، وَلاَ يَنْتَقِلُ مِنْهُ. فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ الابَاءَ لِلْأَبْنَاءِ فَحَذَّرَهُمْ فِتْنَتَهُمْ وَلَمْ يُوصِهِمْ بِهِمْ، وَلَمْ يَرْضَ الابْنَاءَ لِلْآبَاءِ فَأَوْصَاهُمْ بِهِمْ. وَإِنَّ شَرَّ الابْنَاءِ مَنْ دَعَاهُ التَّقْصِيرُ إلَى الْعُقُوقِ، وَشَرَّ الابَاءِ مَنْ دَعَاهُ الْبِرُّ إلَى الافْرَاطِ. وَالامَّهَاتُ أَكْثَرُ إشْفَاقًا وَأَوْفَرُ حُبًّا لِمَا بَاشَرْنَ مِنْ الْوِلاَدَةِ وَعَانَيْنَ مِنْ التَّرْبِيَةِ فَإِنَّهُنَّ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ نُفُوسًا. وَبِحَسَبِ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّعَطُّفُ عَلَيْهِنَّ أَوْفَرَ جَزَاءٍ لِفِعْلِهِنَّ، وَكِفَاءً لِحَقِّهِنَّ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي الْبِرِّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الانْسَانَ بِوَالِدِيهِ حُسْنًا}.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ {رَجُلًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ لِي أُمًّا أَنَا مُطِيعُهَا أُقْعِدُهَا عَلَى ظَهْرِي، وَلاَ أَصْرِفُ عَنْهَا وَجْهِي، وَأَرُدُّ إلَيْهَا كَسْبِي، فَهَلْ جَزَيْتهَا ؟ قَالَ لاَ وَلاَ بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ: وَلِمَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُك وَهِيَ تُحِبُّ حَيَاتَك، وَأَنْتَ تَخْدُمُهَا وَتُحِبُّ مَوْتَهَا}.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حَقُّ الْوَالِدِ أَعْظَمُ، وَبِرُّ الْوَالِدِ أَلْزَمُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {أَنْهَاكُمْ عَنْ عُقُوقِ الامَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ}. وَرَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ الْمِقْدَامِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {إنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالاقْرَبِ فَالاقْرَبِ}. وَأَمَّا الْمَوْلُودُونَ فَهُمْ الاوْلاَدُ وَأَوْلاَدُ الاوْلاَدِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَلَدَ الْوَلَدِ الصَّفْوَةَ. وَهُمْ مُخْتَصُّونَ مَعَ سَلاَمَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لاَزِمٌ، وَالاخَرُ مُنْتَقِلٌ. فَأَمَّا اللاَزِمُ فَهُوَ الانَفَةُ لِلْآبَاءِ مِنْ تَهَضُّمٍ أَوْ خُمُولٍ. وَالانَفَةُ فِي الابْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الاشْفَاقِ فِي الابَاءِ. وَقَدْ لَحَظَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَعْرِهِ فَقَالَ: فَأَصْبَحْت يَلْقَانِي الزَّمَانُ لِأَجْلِهِ بِإِعْظَامِ مَوْلُودٍ وَإِشْفَاقِ وَالِدِ فَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ فَهُوَ الادْلاَلُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَالِ الْوَلَدِ، وَالادْلاَلُ فِي الابْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَبَّةِ فِي الابَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالابَاءِ أَخَصُّ، وَالادْلاَلَ بِالابْنَاءِ أَمَسُّ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُنَا نَرِقُّ عَلَى أَوْلاَدِنَا وَلاَ يَرِقُّونَ عَلَيْنَا ؟ قَالَ: لِأَنَّا وَلَدْنَاهُمْ وَلَمْ يَلِدُونَا}. ثُمَّ الادْلاَلُ فِي الابْنَاءِ قَدْ يَنْتَقِلُ مَعَ الْكِبَرِ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْبِرُّ وَالاعْظَامُ، وَإِمَّا إلَى الْجَفَاءِ وَالْعُقُوقِ. فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَشِيدًا أَوْ كَانَ الابُ بَرًّا عَطُوفًا صَارَ الادْلاَلُ بِرًّا وَإِعْظَامًا.

وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {إنَّ حَقَّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَخْشَعَ لَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ النَّصَبِ وَالسَّغَبِ. فَإِنَّ الْمُكَافِئَ لَيْسَ بِالْوَاصِلِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا}. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ غَاوِيًا أَوْ كَانَ الْوَالِدُ جَافِيًا صَارَ الادْلاَلُ قَطِيعَةً وَعُقُوقًا. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ}.

وَبُشِّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَوْلُودٍ فَقَالَ: رَيْحَانَةٌ أَشُمُّهَا ثُمَّ هُوَ عَنْ قَرِيبٍ وَلَدٌ بَارٌّ أَوْ عَدُوٌّ ضَارٌّ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْعُقُوقُ ثَكْلُ مَنْ لَمْ يُثْكَلْ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: ابْنُك رَيْحَانُك سَبْعًا، وَخَادِمُك سَبْعًا وَوَزِيرُك سَبْعًا، ثُمَّ هُوَ صِدِّيقٌ أَوْ عَدُوٌّ. وَأَمَّا الْمُنَاسِبُونَ فَهُمْ مِنْ عَدَا الابَاءِ وَالابْنَاءِ مِمَّنْ يَرْجِعُ بِتَعْصِيبٍ أَوْ رَحِمٍ. وَاَلَّذِي يَخْتَصُّونَ بِهِ الْحَمِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى النُّصْرَةِ، وَهِيَ أَدْنَى رُتْبَةِ الانَفَةِ؛ لِأَنَّ الانَفَةَ تَمْنَعُ مِنْ التَّهَضُّمِ وَالْخُمُولِ مَعًا، وَالْحَمِيَّةُ تَمْنَعُ مِنْ التَّهَضُّمِ وَلَيْسَ لَهَا فِي كَرَاهَةِ الْخُمُولِ نَصِيبٌ الا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يَبْعَثُ عَلَى الالْفَةِ. وَحَمِيَّةُ الْمُنَاسِبِينَ إنَّمَا تَدْعُو إلَى النُّصْرَةِ عَلَى الْبُعَدَاءِ وَالاجَانِبِ، وَهِيَ مُعَرَّضَةٌ لِحَسَدِ الادَانِي وَالاقَارِبِ، مَوْكُولَةٌ إلَى مُنَافَسَةِ الصَّاحِبِ بِالصَّاحِبِ، فَإِنْ حُرِسَتْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّلاَطُفِ تَأَكَّدَتْ أَسْبَابُهَا وَاقْتَرَنَ بِحَمِيَّةِ النَّسَبِ مُصَافَاةُ الْمَوَدَّةِ، وَذَلِكَ أَوْكَدُ أَسْبَابِ الالْفَةِ.

وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِ قُرَيْشٍ: أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك أَخُوك أَوْ صَدِيقُك ؟ قَالَ: أَخِي إذَا كَانَ صَدِيقًا. وَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: الْعَيْشُ فِي ثَلاَثٍ: سَعَةُ الْمَنْزِلِ، وَكَثْرَةُ الْخَدَمِ، وَمُوَافَقَةُ الاهْلِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْبَعِيدُ قَرِيبٌ بِمَوَدَّتِهِ، وَالْقَرِيبُ بَعِيدٌ بِعَدَاوَتِهِ. وَإِنْ أُهْمِلَتْ الْحَالُ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبِينَ ثِقَةً بِلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَاعْتِمَادًا عَلَى حَمِيَّةٍ الْقَرَابَةِ، غَلَبَ عَلَيْهَا مَقْتُ الْحَسَدِ وَمُنَازَعَةُ التَّنَافُسِ، فَصَارَتْ الْمُنَاسَبَةُ عَدَاوَةً وَالْقَرَابَةُ بُعْدًا. وَقَالَ الْكِنْدِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ: الابُ رَبٌّ، وَالْوَلَدُ كَمَدٌ وَالاخُ فَخٌّ، وَالْعَمُّ غَمٌّ وَالْخَالُ وَبَالٌ، وَالاقَارِبُ عَقَارِبُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: لُحُومُهُمْ لَحْمِي وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَمَا دَاهِيَاتُ الْمَرْءِ الا أَقَارِبُهُ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِلَةِ الارْحَامِ، وَأَثْنَى عَلَى وَاصِلِهَا فَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هِيَ الرَّحِمُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِوَصْلِهَا، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فِي قَطْعِهَا، وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ فِي الْمُعَاقَبَةِ عَلَيْهَا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ اشْتَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي اسْمًا فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ}. وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {صِلَةُ الرَّحِمِ مَنْمَاةٌ لَلْعَدَدِ، مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ، مَحَبَّةٌ فِي الاهْلِ، مَنْسَأَةٌ فِي الاجَلِ}.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ بِالْحُقُوقِ، وَلاَ تَجْفُوهَا بِالْعُقُوقِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهَا لاَ تُبْلَى عَلَيْهَا أُصُولُكُمْ، وَلاَ تُهْضَمُ عَلَيْهَا فُرُوعُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لِأَهْلِهِ لَمْ يَصْلُحْ لَك، وَمَنْ لَمْ يَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَذُبَّ عَنْك. وَقَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، وَمَنْ أَجَارَ جَارَهُ أَعَانَهُ اللَّهُ وَجَارَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الازْدِيُّ: وَحَسْبُك مِنْ ذُلٍّ وَسُوءِ صَنِيعَةٍ مُنَاوَاةُ ذِي الْقُرْبَى وَإِنْ قِيلَ قَاطِعُ وَلَكِنْ أُوَاسِيهِ وَأَنْسَى ذُنُوبَهُ لِتُرْجِعَهُ يَوْمًا إلَيَّ الرَّوَاجِعُ وَلاَ يَسْتَوِي فِي الْحُكْمِ عَبْدَانِ: وَاصِلٌ وَعَبْدٌ لِأَرْحَامِ الْقَرَابَةِ قَاطِعُ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِنَافِذِ قُدْرَتِهِ وَبَالِغِ حِكْمَتِهِ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :سُلْطَانٌ قَاهِرٌ تَتَأَلَّفُ مِنْ رَهْبَتِهِ الاهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا : عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الالْفَةِ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :أَمْنٌ عَامٌّ و خِصْبُ دَار و أَمَلٌ فَسِيحٌ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالُ الانْسَانِ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :وَأَمَّا النَّسَبُ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :وَأَمَّا الْمُصَاهَرَةُ مِنْهَا

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :وَأَمَّا الْمُؤَاخَاة عِبَادَاتِهِ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :وَأَمَّا الْبِرُّ وَعَلَيْك

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :الْبَذْلُ وَالْعَطَاءُ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا : الْمَعْرُوفُ وَعَلَيْك

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :الْمَادَّةُ الْكَافِيَةُ

الْبَابُ الرَّابِعُ أَدَبُ الدُّنْيَا :أَفَادَتْنِي الْقَنَاعَةُ كُلَّ عِزٍّ