فصــل في تأويل قوله تعالى {وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك}
 
فصــل
والمفسرون ذكروا فى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ‏}‏‏[‏النساء‏:‏78‏]‏ هذا وهذا‏.‏
فعن ابن عباس، والسدى، وغيرهما‏:‏ أنهم يقولون هذا تشاؤماً بدينه‏.‏
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال‏:‏ بسوء تدبيرك ـ يعنى كما قاله عبد الله بن أبى وغيره يوم أحد ـ وهم كالذين‏{‏قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 168‏]‏‏.‏
فبكل حال قولهم‏:‏ ‏{‏مِنْ عِندِكَ‏}‏ هو طعن فيما أمر الله به ورسوله من الإيمان والجهاد، وجعل ذلك هو الموجب للمصائب التى تصيب المؤمنين المطيعين، كما أصابتهم يوم أحد‏.‏ وتارة تصيب عدوهم، فيقول الكافرون‏:‏ هذا بشؤم هؤلاء، كما قال أصحاب القرية للمرسلين‏:‏ ‏{‏إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 18‏]‏، وكما قال تعالى ـ عن آل فرعون ـ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏‏[‏ الأعراف‏:‏ 131‏]‏، وقال تعالى ـ عن قوم صالح‏:‏ ‏{‏قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏47‏]‏‏.‏
ولما قال أهل القرية‏:‏ ‏{‏إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 18، 19‏]‏‏.‏
قال الضحاك فى قوله‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ‏}‏ يقول‏:‏ الأمر من قبل اللّه، ما أصابكم من أمر فمن اللّه، بما كسبت أيديكم‏.‏
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ معايبكم‏.‏ وقال قتادة‏:‏ عملكم عند الله‏.‏
وفى رواية غير على‏:‏ عملكم عند الله ولكنكم ‏{‏قَوْمٌ تُفْتَنُونَ‏}‏، أى‏:‏ تبتلون بطاعة اللّه ومعصيته‏.‏ رواهما ابن أبى حاتم وغيره‏.‏
وعن ابن إسحاق قال‏:‏ قالت الرسل‏:‏ ‏{‏طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ‏}‏ أى‏:‏ أعمالكم‏.‏
فقد فسروا ‏(‏الطائر‏)‏ بالأعمال وجزائها؛ لأنهم كانوا يقولون‏:‏ إنما أصابنا ما أصابنا من المصائب بذنوب الرسل وأتباعهم‏.‏
فبين الله ـ سبحانه ـ أن طائرهم ـ وهو الأعمال وجزاؤها ـ هو عند اللّه وهو معهم‏.‏ فهو معهم لأن أعمالهم وما قدر من جزائها معهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 13‏]‏، وهو من اللّه؛ لأن اللّه ـ تعالى ـ قدر تلك المصائب بأعمالهم‏.‏فمن عنده تتنزل عليهم المصائب،جزاء على أعمالهم لا بسبب الرسل وأتباعهم‏.‏
وفى هذا يقال‏:‏ إنهم يجزون بأعمالهم، لا بأعمال غيرهم؛ ولذلك قال فى هذه الآية ـ لما كان المنافقون والكفار ومن في قلبه مرض يقول‏:‏ هذا الذى أصابنا هو بسبب ما جاء به محمد، عقوبة دينية وصل إلينا ـ بين سبحانه أن ما أصابهم من المصائب إنما هو بذنوبهم‏.‏
ففى هذا رد على من أعرض عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا تصيبه تلك المصائب، وعلى من انتسب إلى الإيمان بالرسول، ونسبها إلى فعل ما جاء به الرسول، وعلى من أصابته مع كفره بالرسول ونسبها إلى ما جاء به الرسول‏.‏