فصــل في أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ليس سببا لشيء من المصائب
 
فصــل
والمقصود أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس سبباً لشىء من المصائب، ولا تكون طاعة اللّه ورسوله قط سبباً لمصيبة، بل طاعة الله والرسول لا تقتضى إلا جزاء أصحابها بخيرى الدنيا والآخرة، ولكن قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم، لا بما أطاعوا فيه الله والرسول، كما لحقهم يوم أحُد بسبب ذنوبهم، لا بسبب طاعتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وكذلك ما ابتلوا به فى السراء والضراء والزلزال، ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم، لكن امتحنوا به، ليتخلصوا مما فيهم من الشر وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار؛ ليتميز طيبه من خبيثه، والنفوس فيها شر، والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذى فى نفسه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 140، 141‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 154‏]‏، ولهذا قال صالح ـ عليه السلام ـ لقومه‏:‏‏{‏طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ‏}‏‏[‏النمل‏:‏ 47‏]‏‏.‏
ولهذا كانت المصائب تكفر سيئات المؤمنين وبالصبر عليها ترتفع درجاتهم، وما أصابهم فى الجهاد من مصائب بأيدى العدو، فإنه يعظم أجرهم بالصبر عليها‏.‏
وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من غازية يغزون فى سبيل الله، فيسلمون ويغنمون إلا تعجلوا ثلثى أجرهم، وإن أصيبوا وأخفقوا تم لهم أجرهم‏)‏‏.‏
وأما ما يلحقهم من الجوع والعطش والتعب، فذاك يكتب لهم به عمل صالح، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 120‏]‏‏.‏
وشواهد هذا كثيرة‏.‏