فصــل في تفسير سورة [ن] |
وقال شيخ الإِسلاَم ـ رَحِمهُ الله :
فصــل سورة [ن]: هي سورة [الخُلُقِ]، الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى فيها: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] قال ابن عباس: علي دين عظيم. وقاله ابن عُيينَةَ، وأخذه أحمد عن ابن عيينة. فإن الدين والعادة والخُلُقَ ألفاظ متقاربة المعني في الذات، وإن تنوعت في الصفات، كما قيل في لفظ الدين: فهذا دينه أبدًا وديني. وجمع بعض الزنادقة بينهما في قوله: مــا الأَمْـرُ إلا نَسْقٌ واحـــد ** مـا فيـه مــــن مـدحٍ ولا ذمِّ وإنمــا العـادة قـد خُصِّـصَت ** والطبــــع والشارع بالحـكــمِ [ن]: أقسم ـ سبحانه ـ بالقلم وما يسطرون؛فإن القلم به يكون الكتاب الساطر للكلام، المتضمن للأمر والنهي والإرادة، والعلم المحيط بكل شيء، فالإقسام وقع بقلم التقدير ومسطوره، فتضمن أمرين عظيمين تُنَاسِب المقْسَم عليه: أحدهما: الإحاطة بالحوادث قبل كونها، وأن من علم بالشيء قبل كونه أبلغ ممن علمه بعد كونه، فإخباره عنه أحكم وأصدق. الثاني: أن حصوله في الكتابة والتقدير يتضمن حصوله في الكلام والقول والعلم من غير عكس؛ فإقسامه بآخر المراتب العلمية يتضمن أولها من غير عكس، وذلك غاية المعرفة واستقرار العلم إذا صار مكتوبا. فليس كل معلوم مقولا، ولا كل مقول مكتوبا، وهذا يبين لك حكمة الإخبار عن القدر السابق بالكتاب دون الكلام فقط، أو دون العلم فقط. والمقْسَم عليه ثلاث جمل: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2]، {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3]، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سلب عنه النقص الذي يقدح فيه، وأثبت له الكمال المطلوب في الدنيا والآخرة، وذلك أن الذي أتي به إما أن يكون حقًا أو باطلًا، وإذا كان باطلا فإما أن يكون مع العقل أو عدمه، فهذه الأقسام الممكنة في نظائر هذا. / الأول: أن يكون باطلا ولا عقل له، فهذا مجنون لا ذم عليه ولا يتبع. الثاني: أن يكون باطلا وله عقل، فهذا يستحق الذم والعقاب. الثالث: أن يكون حقًا مع العقل، فنفي عنه الجنون أوَّلا، ثم أثبت له الأجر الدائم الذي هو ضد العقاب، ثم بين أنه علي خلق عظيم، وذلك يبين عِظَمَ الحق الذي هو عليه بعد أن نفي عنه البطلان. وأيضًا، فالناس نوعان: إما معذب، وإما سليم منه. والسليم ثلاثة أقسام: إما غير مكلف، وإما مكلف قد عمل صالحـًا: مقتصدًا، وإما سابق بالخيرات. فجعل القسم مرتبًا علي الأحوال الثلاثة ليبين أنه أفضل قِسْم السعداء، وهذا غاية كمال السابقين بالخيرات، وهذا تركيب بديع في غاية الإحكام. ثم قال: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} الآيات [القلم: 8] ؛ فتضمن أصلين: أحدهما: أنه نهاه عن طاعة هذين الضربين، فكان فيه فوائد: منها: أن النهي عن طاعة المرء، نهي عن التشبه به بالأولى، فلا / يطاع المكذب والحلاف، ولا يعمل بمثل عملهما، كقوله: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 1] وأمثاله، فإن النهي عن قبول قول من يأمر بالخُلُقِ الناقص أبلغ في الزجر من النهي عن التخلق به. ومنها: أن ذلك أبلغ في الإكرام والاحترام، فإن قوله: لاتكذب، ولا تحلف، ولا تشتم، ولا تهمز، ليس هو مثل قوله: لا تطع من يكون متلبسًا بهذه الأخلاق؛ لما فيه من تشريفه وبراءته. ومنها: أن الأخلاق مكتسبة بالمعاشرة؛ ففيه تحذير عن اكتساب شيء من أخلاقهم بالمخالطة لهم، فليأخذ حذره، فإنه محتاج إلى مخالطتهم لأجل دعوتهم إلى الله ـ تعالى. ومنها: أنهم يبْدُون مصالح فيما يأمرون به، فلا تطع من كان هكذا ولو أبداها، فإن الباعث لهم علي ما يأمرون به هو ما في نفوسهم من الجهل والظلم، وإذا كان الأصل المقْتَضِي للأمر فاسدًا، لم يقبل من الآمر، فإن الأمر مداره علي العلم بالمصلحة وإرادتها، فإذا كان جاهلا لم يعلم المصلحة، وإذا كان الخلق فاسدًا لم يردها؛ وهذا معني بليغ. / الأصل الثاني: أنه ذكر قسمين: المكذبين، وذوي الأخلاق الفاسدة، وذلك لوجوه: أحدها: أن المأمور به هو الإيمان والعمل الصالح، فضده التكذيب والعمل الفاسد. والثاني: أن المؤمنين مأمورون بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فكما أنا مأمورون بقبول هذه الوصية والإيصاء بها، فقد نهينا عن قبول ضدها، وهو التكذيب بالحق والترك للصبر، فإن هذه الأخلاق إنما تحصل لعدم الصبر، والصبر ضابط الأخلاق المأمور بها؛ ولهذا ختم السورة به، وقال:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت: 35] فكان في سورة العصر ما بَين هنا، فنهاه عن طاعة الذي في خسر، ضد الذي للمؤمنين الآمرين بالحق والصبر، والذي في خسر هو الكذاب المهين، فهو تارك للحق والصبر. الأصل الثالث: أن صلاح الإنسان في العلم النافع والعمل الصالح، وهو الكَلِم الطيب الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح جماع العدل، وجماع ما نهي الله عنه الناس هو الظلم، كما قرر في غير هذا، قال تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72].والتكذيب بالحق صادر إما عن جهل،وإما عن ظلم وهو الجاحد/ المعاند، وصاحب الأخلاق الفاسدة إنما يوقعه فيها أحد أمرين: إما الجهل بما فيها وما في ضدها فهذا جاهل، وإما الميل والعدوان وهو الظلم، فلا يفعل السيئات إلا جاهل بها، أو محتاج إليها متلذذ بها وهو الظالم، فنهاه عن طاعة الجاهلين والظالمين. وقوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} الآية [القلم: 9] أخبر أنهم يحبون إدْهَانَه ليدهنوا، فهم لا يأمرونه نصحًا، بل يريدون منه الإدهان، ويتوسلون بإدهانِه إلى إدهانهم، ويستعملونه لأغراضهم في صورة الناصح؛ وذلك لما نشأ من تكذيبهم بالحق، فإنه لم يبق في قلوبهم غاية ينتهون إليها من الحق؛ لا في الحق المقصود، ولا الحق الموجود، لا خبرًا عنه، ولا أمرًا به، ولا اعتقادًا، ولا اقتصادًا. ثم قال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ} [القلم:10] إلخ، ذكر أربع آيات كل آيتين جمعت نوعًا من الأخلاق الفاسدة المذمومة، وجمع في كل آية بين النوع المتشابه خبرًا وطلبًا، فالحلاف مقرون بالمهين؛ لأن الحلاف هو كثير الحلف، وإنما يكون علي الخبر أو الطلب، فهو إما تصديق أو تكذيب، أو حض أو منع، وإنما يكثر الرجل ذلك في خبره إذا احتاج أن يصدق ويوثق بخبره. ومن كان كثير الحلف كان كثير الكذب في العهد، محتاجًا إلى الناس، فهو من أذل الناس {حَلَّافٍ مَّهِينٍ }: حلاف في أقواله، مهين في أفعاله. / وأما الهماز المشاء بنميم: فالهمز أقوي من اللمز وأشد ـ سواء كان همز الصوت أو همز حركة ـ ومنه: [الهَمْزةُ]: وهي نبرة من الحلق مثل التهوع، ومنه الهمز بالعقب، كما في حديث زمزم: (أنه هَمَزَ جبريل بعقبه) والفعال: مبالغة في الفاعل، فالهماز: المبالغ في العيب نوعا وقدرًا. القدرة من صورة اللفظ، وهو الفعال، والنوع من مادة اللفظ وهو الهمزة، والمشاء بنميم هو من العيب، ولكنه عيب في القفا، فهو عيب الضعيف العاجز، فذكر العياب بالقوة، والعياب بالضعفِ، والعياب في مشهد، والعياب في مغيب. وأما {مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: 12] فإن الظلم نوعان: ترك الواجب وهو منع الخير، وتَعَدٍ علي الغير وهو المعتدي. وأما الأثيم مع المعتدي فكقوله: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. وأما العُتُلّ الزَّنيم: فهو الجبار، الفظ الغليظ، الذي قد صار من شدة تجبره وغلظه معروفا بالشر، مشهورًا به، له زَنَمة كزَنَمَة الشاة. ويشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون الحلاف المهين الهماز المشاء بنميم من جنس واحد، وهو في الأقوال وما يتبعها من الأفعال، والمنَّاع المعتدي الأثيم العتل الزنيم من جنس، وهو في الأفعال وما يتبعها من الأقوال. فالأول: الغالب على جانب الأعراض، والثاني: الغالب على / جانب الحقوق في الأحوال والمنافع ونحو ذلك.ووصفه بالظلم والبخل والكبر، كما في قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية [النساء: 36، 37]. وقوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم: 16]، فيه إطلاق يتضمن الوَسْمَ في الآخرة وفي الدنيا أيضًا، فإن الله جعل للصالحين سِيمًا، وجعل للفاجرين سيما، قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]، وقال يظهر: {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ} الآية [محمد: 30]. فجعل الإرادة والتعريف بالسيما الذي يدرك بالبصر معلقًا علي المشيئة، وأقسم علي التعريف في لحن القول، وهو الصوت الذي يدرك بالسمع، فدل علي أن المنافقين لابد أن يعرفوا في أصواتهم وكلامهم الذي يظهر فيه لحن قولهم،وهذا ظاهر بَين لمن تأمله في الناس، من أهل الفراسة في الأقوال وغيرها مما يظهر فيها من النواقض والفحش وغير ذلك. وأما ظهور ما في قلوبهم علي وجوههم فقد يكون وقد لا يكون، ودل علي أن ظهور ما في باطن الإنسان علي فلتات لسانه أقوي من ظهوره علي صَفْحَات وجهه؛ لأن اللسان ترجمان القلب، فإظهاره لما أَكَنَّه أَوكَد؛ ولأن دلالة اللسان قالية، ودلالة الوجه حالية، والقول أجمع وأوسع للمعاني التي في القلب من الحال؛ ولهذا فَضَّلَ من فَضَّل ـ كابن قتيبة وغيره ـ السمعَ علي البصر. / والتحقيق أن السمع أوسع،والبصر أخص وأرفع، وإن كان إدراك السمع أكثر، فإدراك البصر أكمل؛ ولهذا أقسم أنه لابد أن يدركهم بسمعه، وأما إدراكه إياهم بالبصر بسيماهم فقد يكون وقد لا يكون. فأخبر ـ سبحانه ـ أنه لابد أن يسِمَ صاحب هذه الأخلاق الخبيثة علي خرطومه، وهو أنفه الذي هو عضوه البارز، الذي يسبق البصر إليه عند مشاهدته؛ لتكون السيما ظاهرة من أول ما يري، وهذا ظاهر في الفَجَرَة الظَّلَمَة، الذين وَدَعَهم الناس اتقاء شرهم وفحشهم؛ فإن لهم سيما من شر يعرفون بها. وكذلك الفسقة وأهل الريب. وقوله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} إلخ [القلم: 17]، فيه بيان حال البخلاء، وما يعاقبون به في الدنيا قبل الآخرة من تلف الأموال، إما إغراقا، وإما إحراقا، وإما نهبًا، وإما مصادرة، وإما في شهوات الغي، وإما في غير ذلك مما يعاقب به البخلاء، الذين يمنعون الحق. وليس إقدام في صنايع المعروف، وهو قوله: {مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} [القلم: 12]، وهو أحد نوعي الظلم، كما أخبروا به عن نفوسهم في قولهم: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} [القلم: 31]، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الغَني ظلم). وتضمن عقوبة الظالم المانع للحق،أو متعدي الحق،كما يعاقب الله مانع الزكاة وهو مناع الخير، وآكل الربا والميسِر:الذي هو أكل المال بالباطل، وكل منهما أخبر الله في كتابه أنه يعاقبه بنقيض / قصده،فهنا:أخبر بعقوبة تارك الحقوق،وفي البقرة: بعقوبة المرابي، وهذه العقوبة تتناول من يترك هذا الواجب، وفعل هذا المحرم من المحتالين،كما أخبر في هذه السورة،وكما هو المشَاهَد في أهل منع الحقوق المالية،والحِيل الربوية،من العقوبات والمثلات. فإنه ـ سبحانه ـ إذا أنعم علي عبد بباب من الخير، وأمره بالإنفاق فيه فبخل، عاقبه بباب من الشر، يذهب فيه أضعاف ما بخل به، وعقوبته في الآخرة مدَّخَرة، ثم أتْبَعَ ذلك بعقوبة المتكبر الذي هو من نوع العتل الزنيم، الذي يدعَي إلى السجود والطاعة فيأبي، ففيها عقوبة تارك الصلاة، وتارك الزكاة؛ فتارك الصلاة: هو المعتدي الأثيم، العتل الزنيم. وتارك الزكاة: الظالم البخيل. وختمها بالأمر بالصبر، الذي هو جماع الخلق العظيم في قوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [القلم:48]، وذلك نص في الصبر علي ما يناله من أذي الخلق، وعلي المصائب السماوية. والصبر علي الأول أشد، وصاحب الحوت ذهب مغاضبا لربه لأجل الأمر السماوي؛ ولهذا قال: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} إلخ [القلم: 51] فآخرها منعطف علي أول ما في قوله: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2]، وقوله: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم: 51]، والإزلاق بالبصر:هو الغاية في البغض، والغضب، والأذي. فالصبر / علي ذلك نوع من الحلم،وهو احتمال أذي الخلق، وفي ذلك ما يدفع كيدهم وشرهم. وما ذكره في قصة أهل الجنة من أمر السخاء والجود، وما ذكره هنا من الحلم والصبر: هو جماع الخلق الحسن، كما جمع بينهما في قوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} الآية [آل عمران: 134]، كما قيل: بحلمٍ وَبَذْلٍ سَادَ في قومه الفتى ** وَكَـونُـك إيـــاه عَلَيـكَ يسِــيرُ فالإحسان إلى الناس بالمال والمنفعة واحتمال أذاهم، كالسخاء المحمود، كما جمع بينهما في قوله: {الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، ففي أخذه العفو من أخلاقهم احتمال أذاهم، وهو نوعان: ترك ما لك من الحق عليهم، فأخذ العفو: ألا تطلب ما تركوه من حقك، وألا تنهاهم فيما تعدوا فيه الحد فيك، وإذا لم تأْمُرْهم ولم تَنْهَهم فيما يتعلق. / وقال: هذه تفسير آيات أشكلت حتي لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها. منها: قوله: {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6]، حَارَ فيها كثير، والصواب المأثور عن السلف؛ قال مجاهد: الشيطان. وقال الحسن: هم أولي بالشيطان من نبي الله. فَبَين المراد، فإنه يتكلم علي اللفظ كعادة السلف في الاختصار مع البلاغة وفهم المعني. وقال الضحاك: المجنون، فإن من كان به الشيطان ففيه الجنون. وعن الحسن: الضال. وذلك أنهم لم يريدوا بالمجنون الذي يخرق ثيابه ويهذي، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل العقل في نظرهم، كما يقال: ما لفلان عَقْلٌ. ومثل هذا رموا به أتباع الأنبياء كقوله: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ} [المطففين: 32]، ومثله في هذه الأمة كثير يسخرون من المؤمنين، ويرمونهم بالجنون والعظائم التي هم أولي بها منهم. قال الحسن: لقد رأيت رجالا لو رأيتموهم لقلتم: مجانين، ولو رأوكم لقالوا: هؤلاء شياطين، ولو رأوا خياركم لقالوا: هؤلاء لا خلاق لهم، ولو رأوا شراركم: لقالوا: هؤلاء قوم لا يؤمنون / بيوم الحساب. وهذا كثير في كلام السلف، يصفون أهل زمانهم وما هم عليه من مخالفة من تقدم، فما الظن بأهل زماننا؟! والذين لم يفهموا هذا قالوا: الباء: زائدة، قاله ابن قتيبة وغيره.وهذا كثير كقوله: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر: 26]، {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} الآيات [الشعراء: 221]. { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ} الآية [هود: 38، 39]. |