فصل: قوله يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني
 
فصل
وأما قوله عز وجل‏:‏ ‏(‏يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني‏)‏ فإنه هو بين بذلك أنه ليس هو فيما يحسن به إليهم من إجابة الدعوات، وغفران الزلات بالمستعيض/ بذلك منهم جلب منفعة أو دفع مضرة، كما هي عادة المخلوق الذي يعطي غيره نفعًا ليكافئه عليه بنفع، أو يدفع عنه ضررًا؛ ليتقي بذلك ضرره، فقال‏:‏ ‏(‏إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني‏)‏، فلست إذا أخصكم بهداية المستهدي وكفاية المستكفي المستطعم والمستكسي بالذي أطلب أن تنفعوني، ولا أنا إذا غفرت خطاياكم بالليل والنهار أتقي بذلك أن تضروني، فإنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني؛ إذ هم عاجزون عن ذلك، بل ما يقدرون عليه من الفعل لا يقدرون عليه إلا بتقديره وتدبيره، فكيف بما لا يقدرون عليه‏؟‏ فكيف بالغني الصمد، الذي يمتنع عليه أن يستحق من غيره نفعًا أو ضرًا‏؟‏ وهذا الكلام كما بين أن ما يفعله بهم من جلب المنافع ودفع المضار فإنهم لن يبلغوا أن يفعلوا به مثل ذلك، فكذلك يتضمن أن ما يأمرهم به من الطاعات وما ينهاهم عنه من السيئات فإنه لا يتضمن استجلاب نفعهم، كأمر السيد لعبده، أو الوالد لولده، والأمير لرعيته، ونحو ذلك‏.‏ ولا دفع مضرتهم، كنهي هؤلاء أو غيرهم لبعض الناس عن مضرتهم‏.‏
فإن المخلوقين يبلغ بعضهم نفع بعض ومضرة بعض، وكانوا في أمرهم ونهيهم قد يكونون كذلك، والخالق ـ سبحانه ـ مقدس عن ذلك، فبين تنزيهه عن لحوق نفعهم وضرهم في إحسانه إليهم بما يكون من/أفعاله بهم وأوامره لهم، قال قتادة‏:‏ إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا به عليهم، ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم‏.‏