فصل: مدار الإسلام على ثلاثة أحاديث وهذا منها
 
فصل
والمعني الذي دل عليه هذا الحديث‏:‏ أصل عظيم من أصول الدين، بل هو أصل كل عمل؛ ولهذا قالوا‏:‏ مدار الإسلام على ثلاثة أحاديث فذكروه منها، كقول أحمد حديث‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏، و‏(‏مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ ‏(‏والحـلال بَيِّنٌ والحرام /بين‏)‏، ووجه هذا الحديث أن الدين فِعْلُ ما أمر الله به، وتَرْك ما نهى عنه‏.‏
فحديث الحلال بين فيه بيان ما نهى عنه‏.‏ والذي أمر الله به نوعان‏:‏ أحدهما‏:‏ العمل الظاهر، وهو ما كان واجبًا أو مستحبًا، والثاني‏:‏ العمل الباطن، وهو إخلاص الدين لله‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏من عمل عملا‏)‏ إلخ ينفي التقرب إلى الله بغير ما أمر الله به؛ أمر إيجاب أو أمر استحباب‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ إلخ يبين العمل الباطن، وأن التقرب إلى الله إنما يكون بالإخلاص في الدين لله؛ كما قال الفضيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 2‏]‏ ، قال‏:‏ أخلصه وأصوبه، قال‏:‏ فإن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا‏.‏ والخالص‏:‏ أن يكون لله، والصواب‏:‏ أن يكون على السنة، وعلى هذا دل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 110‏]‏ ، فالعمل الصالح هو ما أمر الله به ورسوله؛ أمر إيجاب أو أمر استحباب، وألا يشرك العبد بعبادة ربه أحدًا، وهو إخلاص الدين لله‏.‏
وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَلَي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 112‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 125‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 22‏]‏، فإن إسلام الوجه لله يتضمن إخلاص العمل لله، والإحسان هو إحسان العمل لله وهو فعل ما أمر به فيه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 30‏]‏، فإن الإساءة في العمل الصالح تتضمن الاستهانة بالأمر به، والاستهانة بنفس العمل، والاستهانة بما وعده الله من الثواب، فإذا أخلص العبد دينه لله وأحسن العمل له كان ممن أسلم وجهه لله وهو محسن، فكان من الذين لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏