فصل: يريد العلماء بلفظ النية تمييز عمل عن عمل
 
/فصل
ولفظ ‏[‏النية‏]‏ يجري في كلام العلماء على نوعين‏:‏ فتارة يريدون بها تمييز عمل من عمل، وعبادة من عبادة، وتارة يريدون بها تمييز معبود عن معبود، ومعمول له عن معمول له‏.‏
فالأول‏:‏ كلامهم في النية‏:‏ هل هي شرط في طهارة الأحداث‏؟‏ وهل تشترط نية التعيين والتبييت في الصيام‏؟‏ وإذا نوي بطهارته ما يستحب لها هل تجزيه عن الواجب‏؟‏ أو أنه لابد في الصلاة من نية التعيين ونحو ذلك ‏؟‏
والثاني‏:‏ كالتمييز بين إخلاص العمل لله، وبين أهل الرياء والسمعة، كما سألـوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة وحَمِيَّة ورياءً، فأي ذلك في سبيل الله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله‏) ‏وهذا الحديث يدخل فيه سائر الأعمال، وهذه النية تميز بين من يريد الله بعمله والدار الآخرة، وبين من يريد الدنيا؛ مالا وجاها ومدحًا وثناءً وتعظيمًا، وغير ذلك، والحديث دل على هذه النية بالقصد، وإن كان قـد يقال‏:‏ إن عمومه يتناول/ النوعين، فإنه فرق بين من يريد الله ورسوله،وبين من يريد دنيا أو امرأة، ففرق بين معمول له ومعمول له‏.‏ ولم يفرق بين عمل وعمل‏.‏
وقد ذكر الله تعالى الإخلاص في كتابه في غير موضع، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏ 5‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 2، 3‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 14‏]‏ ، وغير ذلك من الآيات‏.‏
وإخلاص الدين هو أصل دين الإسلام؛ ولذلك ذم الرياء في مثل قوله‏:‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لِّلْمُصلينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ‏}‏ ‏[‏الماعون‏:‏ 4ـ6‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَامُواْ إلى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 142‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏‏{‏كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏264‏]‏ ، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 38‏]‏ ‏.‏